شجرة الدر أول ملكة في الاسلام ,هي التي وضعت اساس سلطة
المماليك في مصر, وقد كانت أمَة تركية أو أرمنية ثم صارت جارية للخليفة
العباسي المستعصم بالله الذي تعرضت بغداد في زمنه لغزو جحافل
المغول بقيادة هولاكو حفيد جنكيز خان 1258 .
وبعدئذ دخلت في جواري الملك الصالح الأيوبي فأعتقها بعد ان ولدت له
صبياً اسماه خليل والصالح ايوب هو ابن الملك الكامل ثار على اخيه الملك
العادل الثاني واخرجه من مصر واستطاع بقوة من الأتراك الخوارزمية
الفارين من وجه جنكيز خان ان يفتح القدس عام 1244 م ,ثم استرد
دمشق وبذلك تم توحيد امبراطورية صلاح الدين بكاملها تقريباً على يده ,
كما ترك قلعة جده صلاح الدين الأيوبي في القاهرة وانتقل مع زوجته
شجرة الدر ومماليكه الى جزيرة الروضة في نهر النيل وبنى عليها قلعة
عرفت بقلعة المقياس نسبة الى مقياس قديم لنهر النيل واسكن مماليكه
في ثكنات فعرفوا بالمماليك البحرية .
وفي عهد الملك الصالح قامت التجريدة الصليبية السابعة بقيادة ملك
فرنسا لويس التاسع "القديس لويس" بحملة على مصر واستولت على
دمياط في 6 من حزيران 1249 م دون مقاومة تذكر ولكن تفشي الوباء في
صفوف جند الفرنجة وانقطاع الامدادات عنهم اهلك الجيش كله تقريباً ووقع
ملكهم في الأسر,
وفي اثناء الحملة اشتد المرض على الصالح ايوب ومات في 23 تشرين
الثاني 1249م ,فأخذت زوجته شجرة الدر موقفاً رائعاً تعالت فيه على
احزانها وقدمت المصالح العليا للبلاد مدركة خطورة الموقف ,فأخفت على
الناس خبر موته وأمرت بحمل جثته سراً في سفينة الى قلعة الروضة
بالقاهرة وأمرت الأطباء ان يدخلوا كل يوم الى حجرة السلطان كعادتهم
وكانت تدخل الأدوية والطعام الى غرفته كما لو كان حياً , وتولت شجرة الدر
ترتيب امور الدولة وادارة شؤون الجيش في ميدان القتال , وعهدت للأمير
فخر الدين بقيادة الجيش وفي الوقت نفسه ارسلت الى توران شاه ابن
الصالح ايوب تحثه على القدوم ليتولى السلطنة بعد ابيه وفي فترة ما بين
موت الصالح ايوب ومجيء ابنه وهي فترة تزيد عن ثلاثة اشهر نجحت
شجرة الدر بمهارة فائقة ان تمسك بزمام الامور وترد العدوان الصليبي
والحاق خسائر فادحة بالصليبيين .
وكان توران شاه قد نشأ بعيداً عن مصر فشبّ جاهلاً باحوالها وآثر مماليكه
الأكراد الذين اصطحبهم معه من الجزيرة على المصريين وجعلهم المقدمين
عنده ,فتآمر عليه خصومه مع شجرة الدر وقتلوه عام 1250م وكان قد وفق
قبل ذلك الى استرجاع دمياط واسر الملك لويس التاسع .
ثم ملكت شجرة الدر بعد مقتل توران وما ان جلست على العرش حتى
قبضت على زمام الامور واحكمت ادارة شؤون البلاد وكان اول عمل اهتمت
به هو تصفية الوجود الصليبي , وأقامت في السلطة ثمانين يوماً وهي
المراة المسلمة الوحيدة التي حكمت بلاداً في شمالي افريقيا وغربي
اسيا وضربت النقود باسمها ونقشت على السكة اسمها "المستعصمة
الصالحية ملكة المسلمين " .
وجيء بالأشرف موسى الأيوبي من دمشق فاقام معها وعمره نحو ست
سنين وصارت المراسم تصدر عن الملكين , واقرت بان يخطب لها يوم
الجمعة من على المنابر , وفي الأخبار المنقولة ان شجرة الدر هي التي
ابتدعت فكرة المحمل في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي حيث جرى
اولياء الامر في الأقطار الأسلامية على اشخاص هذه المحامل اعلاناً
لاستقلالهم واظهار ما لهم من حق حماية الحرمين الشريفين .
وعلى الرغم مما ابدته من مهارة في الحكم وحزم في ادارة البلاد وتقربها
الى العامة ,خرج المصريون في مظاهرة يستنكرون جلوس امراة على
العرش وعارض العلماء ولاية امراة الحكم , فلم تجد شجرة الدر ازاء هذه
المعارضة بداًمن التنازل عن العرش للأمير عز الدين أتابك العسكر الذي
تزوجته وكان تركياً .
انصرف في اوائل سني حكمه الى سحق الحزب الأيوبي المطالب بالملك
في سورية فخلع الأشرف موسى الأيوبي وهو طفل وتخلص من قائده
الخاص الذي كان قد امتاز في جهاده الخاص ضد لويس التاسع في دمياط .
ولم تكتف السلطانة في اثناء ذلك كله بمشاركة ايبك في الملك بل سعت
الى فرض ارادتها عليه , ولما بلغها انه يريد الزواج من امراة اخرى
ثانيةغيرها , دبرت له مكيدة قتل بها في الحمام الملكي بقلعة القاهرة
عام 1257م واشاعت بانه مات فجأة في الليل ولكن مماليك ايبك لم
يصدقوها فقبضوا عليها وحملوها الى امراة عز الدين ايبك التي امرت
جواريها بضربها بالقباقيب , وألقوا بها من فوق سور القلعة ولم تدفن الا بعد
عدة ايام وهكذا انتهت حياتها على هذا النحو بعد ان كانت ملء الأسماع
والأبصار وقد اثنى عليها المؤرخون المعاصرون لدولة المماليك وقالوا بانها
كانت خيّرة رئيسة عظيمة في النفوس لها مآثر وأوقاف على وجوه البر
معروفة بها .