بلقيس ( ملكة سبا )
تستمد قصة الملكة بلقيس أهميتها من ذكر قصتها في الكتاب الحكيم مع النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل , مما أكسبها شهرة لم تكن للكثير من الملوك من قبلها او من بعدها وضمنت بأن يبقى ذكرها خالداًعبر العصور , وذلك لأن القرآن باقٍ وخالدُ الى اخر الزمان .
تنسب الملكة بلقيس الى الهدهاد بن شرحبيل من بني يعفر , كانت سليلة حسب ونسب ,فأبوها كان ملكاً وقد ورثت الملك منه , لكن أشراف وعلية قومها استنكروا توليها العرش , فكيف تتولى زمام الأمور في مملكة مترامية الأطراف مثل مملكتهم امرأة ؟
وكان لهذا التشتت بين قوم بلقيس أصداء خارج حدود مملكتها , فقد أثار الطمع في قلوب الطامحين الاستيلاء على مملكة سبأ , ومنهم الملك ( عمرو بن أبرهة ) الملقب بذي الأ, فحشر ذو الأذعار جنده وتوجه ناحية مملكة سبأ للاستيلاء عليها وعلى ملكتها بلقيس .
الا ان بلقيس علمت بما في نفس ذي الأذعار فخشيت على نفسها وارسلت الى ذي الاذعار وطلبت منه ان يتزوجها بغية الانتقام منه , وعندما دخلت عليه في قصره ظلت تسقيه الخمر وهو ظان بأنها تسامره وعندما بلغ الخمر منه مبلغه استلت سكيناً وذبحته بها , وهذه الحادثة هي دليل واضح وجليٌّ على رباطة جأشها وقوة نفسها وفطنة عقلها وحسن تدبيرها للأمور وخلصت بذلك أهل سبأ من شر ذي الأذعار وفساده.
ازدهر زمن حكم بلقيس أيما ازدهار واستقرت البلاد وتمتع أهل اليمن بالرخاء والحضارة والعمران والمدنية كما حاربت بلقيس الاعداء ووطدت أركان ملكها بالعدل وساست قومها بالحكمة , ومما أذاع صيتها وحببها الى الناس قيامها بترميم سد مأرب الذي تآكل بنيانه.
وبلقيس هي اول ملكة اتخذت من سبأ مقراً لحكمها وهي صاحبة الصرح الممرد من قوارير وقد كان قومها يعبدون الاجرام السماوية على وجه الخصوص وكانوا يتقربون اليها بالقرابين ويسجدون لها من دون الله تعالى وهذا ما لفت انتباه الهدهد الذي كان قد بعثه سليمان ليبحث عن موردٍ للماء , وبعد الوعيد الذي كان قد توعده اياه لتأخره عليه بأن يعذبه ان لم يأت بعذر مقبول , عاد الهدهد وعذره معه " أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين "
فما كان من سليمان (ع ) المعروف بكمال عقله وسعة حطمه الا ان يتحرى صدق كلام الهدهد واالى بلقيس بكتابٍ يتضمن دعوته لهم الى طاعة الله ورسوله والاذعان وان يأتوه مؤمنين خاضعين لحكمه وسلطانه.
كانت بلقيس حينها جالسة على سرير مملكتها المزخرف بأنواع من الجواهر واللآلئ والذهب مما يسلب الألباب , ولما عرف عن بلقيس من رجاحة وركازة العقل فإنها جمعت وزرائها وعلية قومها في أمر هذا الكتاب فكان رأي وزرائها هو اللجوء الى الحرب والقوة , الا ان بلقيس صاحبة العلم والحكمة والبصيرة النافذة ارتأت رأياً مختلفاً فهي تعلم بخبرتها وتجاربها في الحياة ان ( الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ) ورأت ان ترسل الى سليمان بهدية مع علية قومها عله يلين او يغير رايه, ولكن سليمان رد عليهم برد قوي منكر صنيعهم ومتوعداً اياهم بالوعيد الشديد قائلاً " أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل انتم بهديتكم تفرحون " عندها أيقنت بلقيس بقوة سليمان وعظمة سلطانه وانه لا ريب نبي من عند الله عز وجل .
فجمعت حرسها وجنودها واتجهت الى الشام حيث سليمان (ع) وكان عرش بلقيس وهي في طريقها الى سليمان (ع) مستقراً عنده , فقد أمر جنوده بأن يجلبوا له عرشها فأتاه به رجل عنده علم الكتاب قبل ان يرتد اليه طرفه ومن ثم غير لها معالم عرشها ليعلم أهي بالذكاء والفطنة بما يليق بمقامها وملكها .
ومشت بلقيس على الصرح الممرد من قوارير والذي كان ممتداً على عرشها , الا انها حسبته لجة فكشقت عن ساقيها وكانت مخطئة بذلك عندها عرفت انها وقومها كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم لغير الله نعالى وآمنت مع سليمان بالله رب العالمين .
وتقول المراجع التاريخية ان سليمان (ع) تزوج من بلقيس وانه كان يزورها في سبأ بين الحين والاخر وأقامت معه 7 سنين وأشهرا , وتوفيت فدفنها في تدمر وتعلل المراجع سبب وفاة بلقيس انها بسبب وفاة ابنها رَحْبَم بن سليمان .
وقد ظهر تابوت بلقيس في عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وعليه كتابات تشير الى انها ماتت ل21 سنة خلت من حكم سليمان , وفتح التابوت فاذا هي غضة لم يتغير جسمها , فرفع الامر الى الخليفة فأمر بترك التابوت مكانه وبنى عليه الصخر.
ان الملكة بلقيس ما كان لها هذا الشأن العظيم لولا اتصافها برجاحة العقل وسعة الحكمة وغزارة الفهم , فحسن التفكير وحزم التدبير أسعفاها في كثير من المواقف الصعيبة والمحن الشديدة التي تعرضت لها هي ومملكتها , كما انها عرفت بحسن المشاورة الى جانب البراعة في المناورة فهي لم تكن كبقية الملوك متسلطة في أحكامها متزمتة لآرائها لا تقبل النقاش فهي ببصيرتها النيرة كانت ترى أبعد من مصلحة الفرد.
فذكر بلقيس في اخر الكتب السماوية وأعظمها وأخلدها هو تقدير للمراة في كل زمان ومكان , هذه المرأة التي استضعفتها الشعوب والأجناس البشرية وحرمتها من حقوقها انصفها الاسلام وكرمها اعظم تكريم.