[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فشلت تقريباً كل المحاولات الحكومية لضبط أسواق المستهلك، وهو فشل يعني
أزمة، لأن في الموضوع بُعداً اجتماعياً مفعماً باعتبارات الحساسية العالية،
ولا نعتقد أننا سنكون مضطرين لإضاعة الوقت في شرحها، وإن لم تكن
-الاعتبارات- راسخة في أفق الحكومة، فإننا فعلاً في أزمة تحتاج إلى معدلات
عالية من الحظوظ لنوفق في حلِّها!!.
في المشهد اليوم الكثير من التفاصيل غير المفهومة، فقد اختلطت ملامح قلة
الخبرة، والغرق في (شبر ماء) مع ملامح أخرى تشي بأن ثمة مكابرة في الموقف
الرسمي إزاء المبادرة باتجاه حلول ناجعة للمشكلات القائمة وبعضها المقيم
منذ بضع سنوات، والخلطة هذه يعتريها رائحة محاباة للتاجر وقطاع الأعمال،
محاباة غير معلومة السبب، أهو الفساد وتبادل المصالح والمنافع، أم هو
الإذعان الحكومي لرأس المال وسطوته المعهودة؟!!.
إننا أمام متوالية طلاسم تزداد ما مر الزمان والأيام وطأة ومساحة، وحضوراً
أيضاً على شكل تفاعل للتشابكات الحاصلة.. التي كأنها تتعمد تكذيب كل ادعاء
حكومي بانصلاح الأوضاع، حتى غدت حكومتنا وكأنها مستعدة ممثلة بوزارة
الاقتصاد ومن لف لفها، لأن تقسم إيماناً معظمة بأن هذه الأوضاع على ما
يرام، رغم معاناة المستهلك الذي لا يحتاج لتصريح أو تلميح حتى يخبره عن
واقع سوق احتياجاته ويومياته التي لا ترحم، الأمر الذي يترك شكوكاً وريبة
حول هدف التأكيدات التي تذر الرماد في العيون وتحاول مصرة طمأنة كل من يسأل
عن أحوال البلاد والعباد ولمن يوجه هذا الخطاب، بالتأكيد ليس للمستهلك، بل
الهدف هو باتجاه أعلى صاعد في مساراته، أي في المسألة تضليل لمن يتابع
ويحاول تقصِّي الأخبار العامة، وهذه سقطة كبرى يستحق فاعلوها وأبطالها
المحاسبة بلا رحمة لأنهم لم يرحموا أحداً لا كبير ولا صغير..!!
نسخة كربونية مهزوزة؟!!
يذكرنا تعاطي الحكومة الحالية مع مشاكل السوق والمستهلك، بتعاطي الحكومة
السابقة مع ذات المشاكل، فربما لم يمض بعد الكثير من الوقت على مجريات
مختلطة من الكوميديا والتراجيديا في معالجة الحكومة السابقة لفورات الأسعار
التي حصلت مرة أو مرتين ووقفت حينها الحكومة عاجزة تائهة عن سبيل الحل حتى
وصلت الأمور إلى درجة التحدي والتنازع المعلن بين بعض الشخصيات الرفيعة في
الهيكل التنفيذي وبعض التجار الذين توعدوا وهددوا بلجوئهم إلى تهريب
المنتجات المحلية في حال منعت الحكومة تصديرها!!.
ونذكر تماماً مشاهد التنازع التي ظهرت في الحكومة ذاتها بين فريقي رئيس
الحكومة ونائبه الاقتصادي، وكانت تصريحات المهندس محمد ناجي عطري محملة
بالنفحة الاشتراكية الغابرة، فيما يصر نائبه على إنتاج الجمل والتراكيب
المتسقة مع أدبيات السوق والنادي الليبرالي الذي كان المطلوب منا جميعاً
التماهي مع متطلبات واشتراطات ولوجه، حتى ولو كان ذلك على حساب المستهلك
دافع الفواتير النشط، ومتلقي صدمات التجريب والارتجال!!.
المهنس عطري كان يتحدث عن (حيتان السوق) ويقصد التاجر المحتكر، والدردري
كان يصر في اجتماعات تعقب دوماً لاجتماعات التي يترأسها رئيس الحكومة، يصر
أن يرمي الكرة في مرمى المستهلك الذي (لا يعرف مصلحته الحقيقية، ويكثر من
الشكوى والصراخ) دون مبرر ومسوغ فعلي!!
الآن نكاد نقف في ذات المسرحية وأمامها لنعاين فصول التناحر والتنازع بين
كافة الأطراف بما فيها تلك الحكومية - حكومية، والاختلاف على كل شيء.. على
وجود الاحتكار من عدمه، وعلى انخفاض الأسعار من عدمه، وحول أسباب الارتفاع
التي ضاعت بين الدولار والاحتكار ولعبة الحاذقين في اللعب والشطار..
والخلاصة لا اعترافات.. ولا أسباب تبلورت وتوافق عليه الجميع؟!!.
حافة الهاوية!!
لعله من اللافت والمريب أن تلعب حكومتنا سياسة (حافة الهاوية) في إدارتها
لسوق المستهلك ومشاكلها أي لا تتدخل إلا عندما يطفح الكيل ويملأ صدى صراخ
المستهلك الآفاق، ويلقي بكل مدخراته بل ويقترض كي يؤمن مستلزمات تمويل
إنفاقه على احتياجاته الأساسية وحتى الأساسية جداً!!، فبعد أن وصلت الأمور
إلى مواصيل لم تعد تحتمل، قررت وزارة الاقتصاد أن (تقلع عين أبليس) وتعقد
اجتماعها الشهير من أجل الخروج بحل جذري وحاسم لمشكلات السوق، وكان الوليد
المفاجأة على شكل نشرة تأشيرية للأسعار، فاجأت الجميع بأنها وضعت معدلات
وسقوف أعلى بكثير من السقوف المرتفعة التي يشكو منها المستهلك أساساً،
وشرعنت بذلك ارتفاعات الأسعار في وقت كان يجب أن تنخفض مع انخفاض سعر صرف
الدولار المتهم بالتسبب في المعمعة الجارية!!.
وكان لافتاً أكثر أن يخرج مسؤولو الوزارة ليعلنوا على الملأ نجاعة وصفتهم
وبجناح مساعيهم عبر التأكيد أن الأسعار انخفضت بل انصاعت أخيراً لرغبات
الوزارة والمستهلك في وقت لم تؤكد الوقائع شيئاً من هذا القبيل، إنه الأداء
المريب وغير المسبوق، بل الكذب البالغ الجرأة الذي ارتضى بعض القائمين على
مفاصل وزارة الاقتصاد تسجيله على ذمتهم بلا خوف ولا وجل... وهذه سابقة لم
نعهدها في الأداء التنفيذي في تاريخ سورية الحديث!!.
تناقض مدهش!!
حكومتنا تزعم البحث (بالسراج والفتيل) عما يوائم مصلحة المستهلك ويضمن
تذليل مشكلاته الحياتية وفي مقدمتها ما يخص احتياجاته الاستهلاكية، وزعمها
المتواصل هذا يترك ألف علامة استفهام حول طرق المعالجة التي اختارتها
لمقاربة مشكلات الأسواق وحلها بالشكل الذي يتماشى مع مصالح المستهلك التي
تزعم أنها تضعها هدفاً دائماً لأدائها.
فعلى الرغم من أن الحل الجذري يكمن في العودة إلى نظام التسعير الذي كان
معمولاً فيه أيام التخطيط المركزي، وعلى زمن وزارة التموين والتجارة
الداخلية و(جيش) الرقابة التموينية المعزز بأسطول من سيارات الخدمة التي
تحمل لوناً مميزاً حفظه المستهلك والتاجر معاً، وكان لها مالها من هيبة
عندما تجوب الأسواق، على الرغم من هذه الحقيقة، ما زالت وزارة الاقتصاد
(تكابر) وترفض هكذا خيار على اعتبار فيه ما فيه من عودة إلى الوراء
و(ارتكاسة) غير محبذة في الأدبيات التنفيذية، أي إصرار على (البريستيج)
وليس على مصلحة وحقوق المستهلك، وهذا ما من شأنه الشك عميقاً بحقيقة
الأولويات الموضوعة أمام حكومتنا والمفارقة بين ما هو معلن وما هو مخفي
منها؟!!.
في هكذا سياق لا يسعنا إلا أن نعرب عن استنتاجنا وهو أن حكومتنا ممثلة
بوزارة الاقتصاد، ذراعها في السوق، تعاني من حالة تردد وتخبط شديدين إزاء
الرؤية المتعلقة بإصلاح السوق، فالسيد وزير الاقتصاد والتجارة محمد نضال
الشعار أكد في حديث صحفي بُعيد تسلمه مهامه في الحكومة، أنه لا بد من
العودة جزئياً إلى نظام التسعير وإلى خيار الرقابة التموينية كإجراء طارئ
ومؤقت ريثما يصار إلى ترتيب البيت الداخلي بما يلائم نمط السوق الحر الذي
وطنّاه دون أن نكون مستعدين له كفايةً، إلا أنه -السيد الوزير- ذاته عاد
مؤخراً ليستبعد العودة إلى نظام التسعير بل ويرفض ذلك رفضاً قاطعاً على
اعتباره خياراً غير وارد لاعتبارات كثيرة ومتعددة!!، أي عاد الوزير الشعار
ليتحدث بالنبرة ذاتها التي أرَّقت المستهلك التي كان يتحدث بها عبد الله
الدردري عرّاب الليبرالية وصانع أزمات المستهلك والاقتصاد السوري، بل أكثر
من ذلك تردد أن الشعار ينوي أو أفصح عن عزمه على الاستعانة بالفريق ذاته
الذي استخدمه عبد الله الدردري لـ(قلب) الاقتصاد السوري، وإقحام مفاهيم
وأدبيات جديدة لم يتمكن أحد من (هضمها) رغم مرور ثماني سنوات على توطينها
بل وربما أكثر، وهذا ما يثير الهواجس وراء الهواجس حول كفاءة الحكومة في
الاستفادة من الدروس التي انتجتها سابقتها.. وما يبدو أن لا جديد على مستوى
الاستفادة المنتظرة!!.
آخر العلاج الكي
إن العودة إلى نظام التسعير والرقابة التموينية عبر إعادة وزارة التموين
إلى الهيكل التنفيذي هو الحل الوحيد لمشكلات السوق لدينا، سيما وأن
المستهلك لم ينل كفايته ولا حتى النزر اليسير من التوعية بمقتضيات العولمة
الجديدة بنسختها السورية، وأن التاجر لدينا ما زال في حلٍّ من أي التزام
تمليه الأدبيات المفترضة في عالم التجارة، وهي أدبيات غائبة تماماً عن
أسواقنا على كل حال، كانت وما زالت حتى الآن، رغم مضي كل السنوات السابقة
من الإبحار نحو عالم السوق الجديد؟!!.
وزارة التموين أعيدت إلى الحياة في معظم الدول التي كانت قد دفنتها وقرأت
على قبرها الفاتحة إلى غير رجعة، لكن تجريباً في عقد أو عقدين من الزمن،
أملى إعادة إحياء الهيكل الذي يحمل المظلة الحقيقية لحماية المستهلك،
والشواهد قائمة في الكثير من الدول العربية وغير العربية من تلك التي أعلنت
الحرب على حقب التخطيط المركزي، وأعلنت القفز إلى النسق الليبرالي الحر
المفرط في حريته.
عادت وزارات التموين لدى الكثيرين، فيما نرفض نحن إعادة وزارة تمويننا، ولا
أسباب مقنعة تشرح وتقنع، بالتالي يصبح الباب مفتوحاً على التكهنات
والنبوءات، فماذا تقول النبوءات؟.
أولاً نسأل لماذا غير وزير الاقتصاد وجهة نظره السابقة بمقدار 180 درجة، أي
عكس الاتجاه تماماً؟؟، لماذا كان مقتنعاً بالتسعير الإداري، ثم رفضه
مؤخراً رفضاً قاطعاً؟؟، نبوءات وتكهنات سيئي الظن -ونحن منهم- تقول أن
مجموعات الضغط من حائزي رأس المال الذين (سمنتهم) سنوات الانفتاح، وأحالت
دسم السوق إليهم بعد أن كانوا يتقاسمونه يوماً مع الحكومة والمستهلك، هؤلاء
فعلوا فعلهم ولعبوا اللعبة التي تدغدغ مصالحهم بالتالي تغيرت المواقف
والرؤى!!.
أو أن السيد وزير الاقتصاد اطلع على نظريات جديدة لم يكن قد قرأها سابقاً،
أو عاد بشريط توثيق أداء سابقيه إلى الوراء ووجد فيه ما يقنع، وهنا علينا
أن نثني على أداء حكومتنا السابقة على اعتبار أن السيد وزير الاقتصاد
الدكتور الشعار مفكر اقتصادي وصاحب نظريات وكتب وله رؤيته الرشيدة في مجال
الاقتصاد والإدارة الاقتصادية!!.
على كل حال... السوق لا تعترف بالنظريات لأن النظريات تبقى نظريات والوقائع
شيء آخر عملي تطبيقي، والعملي دوماً نقيض النظري، لذلك ثمة ما يجب فعله
اقتنع السيد الوزير أم لم يقتنع.. وما زلنا حتى الآن متيقنين بأن وزير
الاقتصاد ينطق برؤى حكومية وليس شخصية كما حصل في حكاية تمويل المستوردات
ومنع استيراد ما تزيد رسومه الجمركية عن 5 بالمئة عندما دافع عن القرار في
وسائل الإعلام وكان من أشد المعارضين له وراء الكواليس.
لذا ما زال لدينا أمل بأن الدكتور الشعار مع خيار التسعير والرقابة
التموينية، فليعلن ذلك وليبرئ ذمته من (دم) السوق والارتكابات التي تجري
فيها!!.