ادخلوا البيوت من أبوابها هذا القول لاينطبق على المدن التي يمكن الدخول إليها من مدخلها الرئيس أو من الطرق الفرعية التي تصل إلى هذه المدينة أو تلك غير أن الوضع بالنسبة لمدينة حلب عاصمة سورية الاقتصادية مختلف فهذه المدينة لا تزال تحتوي على أبواب رئيسية.
وقد اشتهرت هذه الأبواب على مر السنين بصمودها بوجه الغزاة وحماية الحارات التي تتبعها غير أنه لم يبق من أبواب حلب الخمسة عشر سوى أربعة لا تزال شامخة حتى اليوم تحاكي الماضي وتصله بالحاضر مشكلة هوية عبور من زمن الأجداد إلى الزمن الحديث المختلف بتركيبته وتصميمه عن ذاك الزمن الذي عاشت بكنفه تلك الأبواب على حد تعبير محمود الطويل الباحث في علم الآثار.
ويضيف.. كانت حلب تحتوي خمسة عشر بابا تم هدم 11 منها لأسباب تتعلق بتوسيع الطرق أو بهدف مشاريع خدمية وعمرانية دون التفكير بمدى جمالية تلك الأبواب التي تعطي حلب طابعا خاصا كما أن بعض تلك الأبواب كباب قنسرين التي تعني قن النسور يمتد إلى فترة ما قبل الإسلام ويتكون من أربعة أبواب تصل المدينة وبعض أجزاء من الريف وكذلك تصل قرية قنسرين أو العيس مع بعضها البعض.
ومن الأبواب التي بقيت عصية على الحروب والكوارث باب الحديد الذي اتخذ اسمه نسبة إلى جيرانه الذين سكنوا بقربه وكانت لديهم حوانيت يصنع بها الحديد على حد تعبير فايز نصري الطالب في قسم الآثار.
ويضيف غير أن من يمارس مهنة الحداده نقل مكان عمله إلى باب السعاده ليتحول باب الحديد من منطقة خاصة بالحديد إلى أخرى تعمها مهن عديدة ويعتبر هذا الباب من أهم الأبواب في حلب بني على يد قانصوه الغوري ويقع على مقربة منه العديد من الأماكن الأثرية مثل الجوامع والتكيات والمدارس.
وكذلك الحال بالنسبة لباب إنطاكية الذي يعد من أقدم أبواب حلب وأعرقها متباهيا بجماله ومؤرخا لحقبة زمنية تعتبر من أكثر الفترات التي ازدهرت بها حلب الشهباء على حد تعبير محمود زين العابدين الباحث في الحضارة الإسلامية.
ويضيف.. هذا الباب كان موجودا على أيام السلوقيين في القرن الرابع قبل الميلاد وهو يقع غرب سور مدينة حلب القديمة وسمي بهذا الاسم لأنه الجهة التي كانت تؤدي إلى عاصمة سورية إنطاكية في تلك الفترة.
ويقال انه كان الباب الرئيسي لمدينة حلب حيث كانت تبدأ منه رحلة التسوق إلى مركز المدينة القديم وأسواقها وقد كثرت استخدامات الباب حسب الفترات التي كان يمر بها فأيام العثمانيين اعتبر مدخلا دائما لهم كما أن له نشاطا تجاريا ومهنيا واجتماعيا جعل منه معلما حضاريا قل نظيره حيث استوعب مهنا كثيرة كالدباغة وشيدت فيه العديد من المدارس الفقهيه والمعابد والمساجد لتشكل نموذجا متعدد الأطياف.
وعلى خلاف الأبواب الأخرى التي شيدت في مركز المدينة إلا أن باب المقام اختلف عن باقي الأبواب وبني وسط حارة شعبية وسمي بهذا الاسم نسبة إلى المزارات الشريفة التي تحتويها تلك المنطقة على حد تعبير زاهر بكري من زوار المنطقة. ويضيف يقال إن الباب سمي بذلك بسبب الأولياء الذين يحدونه من الغرب كمقام الأربعين وخان الشاوي وشرقا تقع تربة الأمير خاير بك وهو لا يزال محافظا على قناطره.
وباب النصر الذي يقع شمال سور مدينة حلب تغير اسمه في القرن الثالث الميلادي والذي رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت عليه إلا أن مدخل الباب لا يزال كما كان بداية تشييده رغم انتقاله بضعة أمتار عما كان عليه في تلك الأيام لكن من قام بإعادة ترميمه بعد الحروب حافظ على هويته ليشكل تاريخا زاخرا حول حلب وحضارتها التي اشتملت معظم الأعراق والأجناس مشكلة ثوبا حضاريا ملونا من مختلف الأطياف التي لا نجده إلا في تلك المدينة العظيمة.