تجمع
المكتبة الوقفية بحلب التي تأسست عام 1929 في مقر المدرسة الشرفية بالقرب
من الجامع الأموي الكبير في المدينة القديمة المخطوطات والكتب المحفوظة في
مكتبات المدارس والمساجد القديمة بحلب كما تؤدي خدمات عديدة للباحثين
المتخصصين ويذكر اسمها في فهارس المخطوطات العالمية ويزورها كبار
المستشرقين لنفاسة محتوياتها.
وأغلقت
المكتبة لسنوات طويلة ثم تقرر اعادة افتتاحها خلال احتفالية حلب عاصمة
للثقافة الاسلامية بعد أعمال الترميم والصيانة التي أجريت للمسجد الاموي
الكبير حيث صدر قرار جمهوري يقضي بتجديد عمل لجنة انجاز ترميم وصيانة
الجامع الكبير من اجل تجهيز الصالات الملحقة بالمسجد لتكون مقرا جديدا
للمكتبة الوقفية.
وبين
الدكتور محمود مصري مدير المكتبة أن كلفة المشروع بلغت نحو 70 مليون ليرة
لتجهيز المكتبة في الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد واعداد المخططات
الفنية اللازمة لتجهيزها واجراء اعمال الفرش والديكور بما يتناسب مع
مكونات الجامع الكبير والمعايير المعتمدة في المكتبات الحديثة اضافة إلى
رصد مبالغ اخرى لاستكمال احتياجات المكتبة الوقفية من اجهزة مكتبية وخدمية
اضافة إلى احتياجات الجامع الكبير.
وأشار
مصري إلى أن المكتبة التي تبلغ مساحتها نحو 1500 متر و تتسع لنحو 70 الف
كتاب تحتوي على اقسام الادارة والديوان والامانات والفهارس اليدوية
والالكترونية وخزائن الكتب الثابتة اضافة إلى خزائن الكتب المتحركة
المتخصصة في المجلات والدوريات اضافة لوجود قاعة مطالعة تتسع ل 140 باحثا
وقاعة لكبار الباحثين.
ولفت
مصري إلى أنه يوجد في المكتبة وبشكل يومي مختصون من الفروع العلمية
المختلفة كالعقائد والأديان والفقة وأصوله والحديث والمصطلح والتفسير
وعلوم القرآن بحيث يتمكن الطالب من الرجوع لهم في حال اراد الاستفسار عن
أي شيء يمس البحث الذي يقوم به.
وأضاف
أنها تحتوي على صالة متعددة الأغراض مثل القاء المحاضرات وعقد الندوات
والمؤتمرات والدورات التدريبية تتسع لـ 170 شخصا مع امكانية الترجمة
الفورية لأربع لغات وشاشة عرض وشاشات بلازما وقسم للمعلوماتية يتيح خدمة
الانترنت للباحثين وخدمة المكتبة الالكترونية وأخرى لقواعد البيانات
يستفيد منها نحو 60 باحثا.
وأشار
مصري إلى حرص اللجنة المنجزة للمكتبة على استنباط الزخارف الموجودة فيها
من العناصر الهندسية في المكتبة القديمة التي كانت موجودة في المدرسة
الشرفية والجامع الكبير وتصميمها لمتحف تعرض فيه مقتنيات المكتبة من
المخطوطات والأدوات الفلكية والنحاسيات والفخاريات واللوحات الأثرية
واللقى التي وجدت اثناء ترميم الجامع الكبير وتزويدها بكاميرات مراقبة
تغطي مساحتها بالكامل.
وبين
مدير المكتبة أنه تم اعداد خطة عمل تقوم على اساس مضاهاة المكتبة الوقفية
للمكتبات العالمية المتخصصة من حيث استخدام التقنيات الحديثة وابراز
التنوع الثقافي الموجود فيها وعدم حصر نشاطها بمجرد اعارة الكتب للباحثين
والاستفادة من أقسامها الرئيسية المختلفة مشيرا إلى الاستمرار بتزويد
المكتبة بالعديد من الكتب الجديدة التي شملت مختلف فروع العلوم والمعارف
والحصول على مكتبات خاصة من علماء حلب الراحلين بتبرع من ذويهم حتى بلغ
عدد الكتب فيها نحو 31 ألف عنوان بعد ان كان 2600 عنوان.
ولفت
مصري إلى اقامة المكتبة للعديد من الدورات التدريبية مثل دورة ترميم
المخطوطات التي أقيمت بالتعاون مع مكتبة الاسكندرية ومركز جمعه الماجد
بدبي عام 2008 بهدف تدريب كادر مؤلف من 15 متدربا للقيام باعمال ترميم
المصاحف الأثرية الموجودة فيها ودورة أخرى لفهرسة المخطوطات بالتعاون مع
مؤسسة الفرقان للتراث الاسلامي بلندن عام 2008 بمشاركة 14 باحثا مختصا من
ثمانية اقطار عربية تم فيها تدريب 30 متدربا نصفهم من سورية والباقي من
الدول العربية المجاورة.
كما
شملت الدورات دورة عام 2009 للترميم الالي للمخطوطات المحفوظة في مختلف
أصناف العلوم في المكتبة بالتعاون مع مركز جمعة الماجد بدبي ودورات لترميم
الوثائق وتحقيق المخطوطات وأخرى للمكتبات والمعلومات وذلك بمشاركة باحثين
من مختلف أنحاء الوطن العربي.
وبين
أنه يتبع للمكتبة متحف تاريخي لحلب خلال العصر العثماني في المدرسة
الاحمدية ومركز للوثائق والمخطوطات في المدرسة الشرفية رمما بالتعاون مع
برنامج التعاون الاقليمي السوري التركي ومتحف لسجاد الجامع الكبير في تكية
"اصلان دادا" ومركز الخطوط والزخارف الاسلامية في المدرسة الحلوية ووحدة
الترميم اليدوي والالي للمخطوطات التابعة للمكتبة في "خانقاه الفرافرة"
متوقعا أن يتم افتتاح المكتبة في أوائل العام القادم بعد تأمين الكادر
الوظيفي والاداري اللازم لها.
بدوره
أشار الدكتور محمود عكام مفتي حلب إلى أهمية المكتبات كمراكز اشعاع علمي
وحضاري في المجتمع وهي تشكل رمزا لتاريخ البلد وعراقته لافتا إلى ان
المكتبة الوقفية بحلب اضحت معلما من معالم سورية الحضارية بعد ان لبست
حلتها الجديدة واحتوائها على العديد من النفائس والمخطوطات التي تحتوي على
خزانة التاريخ التي توثق لما سبق من احداث وعادات وتقاليد وعلوم في شتى
مجالات الحياة.
ودعا عكام
إلى الحفاظ على المكتبة والاعتناء بها والاستفادة من مضمونها لبناء
القاعدة السليمة للأجيال القادمة ما يزيد في ارتباطهم بتاريخ بلدهم وصنع
المستقبل المزدهر لوطنهم.
ونوه
عكام بأهمية الكتاب في حياة الشعوب كونه المنهل والمعين الذي يوثق المواقف
التي تحمل خصوصية معينة في الديانات والحضارات وكافة أشكال المعرفة
العلمية التي لا يمكن الاستغناء عنها ما يدعونا إلى ان يبقى الكتاب على
طاولاتنا نقرؤه ونستفيد منه مترافقا ذلك مع تعلم تقنيات الحضارة الحديثة
والأساليب العلمية لتواصل الأفراد على كافة المستويات.
من
جانبه اعتبر الدكتور أحمد عيسى محمد مدير أوقاف حلب أن المكتبة الوقفية
تشكل مركزا ثقافيا وحضاريا على مستوى سورية وهي تعمل على تقديم المعلومة
الجديدة واقامة المؤتمرات الثقافية والعلمية والطبية وتسعى إلى تقديم
النموذج العلمي الخدمي الامثل الذي يحتاجه اصحاب الفكر النير في سعيهم
لمتابعة تحصيلهم العلمي.
ونوه
محمد بقيام المكتبة بنسخ طبعة الكترونية عن كل كتاب ما يسهم في تسهيل
العمل على الباحث خلال سعيه للحصول على المرجع الذي يريد باسرع وقت ممكن
كما تقوم باعادة ترميم وصيانة الكتب والمخطوطات القديمة بالاستفادة من
خبراء محليين ودوليين ما ساعدها على أن تصبح مضاهية للمكتبات الموجودة على
مستوى الوطن العربي ويأوي اليها العديد من المفكرين والباحثين في العالم
كونها تعد النموذج الاول على مستوى المكتبات من خلال احتوائها على أمهات
الكتب القديمة والحديثة بما فيها المخطوطات.
وأشار
مدير الاوقاف إلى تعاون المكتبة مع مكتبة الأسد بدمشق في التبادل والتكامل
الثقافي والعلمي وهي مستمرة في تطوير وتحديث نفسها لتكون انموذجا على
مستوى المكتبات العالمية كالاسكندرية والازهر لافتا إلى قيام الجهات
المعنية ولا سيما المحافظة بتقديم كل ما يلزم لانجاح دور المكتبة اضافة
للجهود التي بذلها الفريق العامل في المكتبة على مدى السنوات التي مضت.
من
جهته أرجع الباحث الدكتور عبد الرحمن عطبة نجاح المكتبة في قدرتها على أن
تصبح مثالا يحتذى به بالرغم من حداثتها إلى عمل الجهات المعنية على توفير
كل ما يلزم لتأمين الخدمات والأدوات الرئيسية الحديثة اضافة لتوفر الكادر
الذي تبرع للعمل بجد واخلاص لانجاح دورها على كافة المستويات لافتا إلى
حاجة الباحث الماسة لمثل هذه المراكز الحضارية والثقافية كونها تؤمن لهم
ما يلزم لانجاز أبحاثهم ودراساتهم العلمية.
بدوره
أوضح الباحث محمد قجة ان الفائدة من هذه المراكز تكمن في انها تشكل رابطا
للمواطن بالكتاب وهي تشكل قاعدة ثقافية حضارية تشجع البحث العلمي وتؤدي
خدمات جليلة للباحثين وطلاب الماجستير والدكتوراه وهي المكتبة العامة
الأولى من حيث الحجم في المحافظة كما تضم نفائس عن مختلف العلوم والمعرفة.