بقلم : ناصر قنديل
أثار توقيع البروتوكول بين سوريا والجامعة العربية مجموعة من التساؤلات حول ظروفه ونتائجه ، فمن الذي تراجع حتى تمت التسوية ؟ وهل أصابت سوريا أم أخطأت بقبول التوقيع ؟ وهل هذا يعني نهاية الأزمة ؟ وهل ستتمكن المعارضة السورية من تحقيق مكاسب من وراء البروتوكول ؟
1 - بات معلوما أن الموافقة السورية على المبادرة العربية كانت مشروطة بقبول عربي بالتسليم أن الحل العربي ليس إطارا لممارسة الوصاية على دولة فاشلة فاقدة للسيادة بل هو تعاون وتنسيق مع حكومة دولة ذات سيادة كاملة ، وبات معلوما أن السبب نفسه حال دون توقيع سوريا على البروتوكول العربي ، كما بات معلوما أن اللجنة العربية وعلى رأسها قطر كانت قد إستبقت المهلة الممنوحة لسوريا حتى 16 تشرين الثاني وقررت في 12 منه السير بالعقوبات وأولها تعليق عضوية سوريا في مؤسسات الجامعة وألحقتها في الرباط بالعقوبات الإقتصادية ، وأن الأجوبة السلبية على الطلبات السورية كان هدفه التسريع بروزنامة تحميل الدولة السورية مسؤولية الفشل الذي كان الهدف الضمني من المبادرة العربية ، للسير بالعقوبات من جهة والتدويل من جهة أخرى ، فالسؤال ليس لماذا وقعت سوريا ؟ بل السؤال ما الذي جرى خلال شهر حتى إنتظرت الجامعة وقبلت تمديد المهلة تلو الأخرى وإكتشفت أنه يمكن تعديل البروتوكول الذي صوره رئيس وزراء قطر بداية أنه قرآن لا يمس ؟
2 - الذي تغير هو أن أهداف التصعيد قد فشلت ، خصوصا لجهة الإيحاء للشعب السوري أن النموذج الليبي يسير بسرعة بالنسبة لسوريا ، فتنهار المعنويات وتتغير الإصطفافات وتتزايد في الجيش الإنشقاقات ، وكانت النتيجة معاكسة ،جاء غضب السوريين ونزولهم العفوي إلى الساحات علامة للفشل في وظيفة الحرب النفسية للمشروع العربي التصعيدي ، وبالمقابل كان موعد الإنسحاب الأميركي من العراق يقترب والأولويات الأميركية تتغير والقيمين على اللجنة العربية ليسوا أحرارا يقررون بل دمى في يد الأميركي ، الذي باتت أولويته أفغانستان والخليج و تحكمه الخشية من المواصلة اليائسة لحربه على سوريا فتنتج تعقيدات تغلق الباب على التفاوض الذي بات طريقه الوحيد لضمان مصالحه في الشرق على قاعدة الإعتراف بصعود قوة إيران وروسيا والصين وصلابة العقدة السورية ، وعلى ضفة مقابلة باتت روسيا ترأس مجلس الأمن وقدمت مشروعا مشتركا مع الصين منسقا مع القيادة السورية بصورة جعل التهديد بالتدويل فاقدا للمعنى .
3- نجحت سوريا بفرض التعديلات التي تعيد للبروتوكول ما يستدعيه ضمان التعامل مع الحكومة السورية كحكومة دولة كاملة السيادة في كل تفاصيل تحرك اللجان العربية وتنقية النصوص من الكلمات المزدوجة المعاني ، والأهم أن المشروع اليوم يحمل لسوريا ثلاثة فرص مهمة ، الأولى هي كشف وجود المجموعات المسلحة التي تقتل وتروع وتخطف وتقطع الأوصال وهذا يستدعي تنظيم فاعليات لأهالي الضحايا والشهداء لمقابلة المراقبين مزودين بالوثائق والمعلومات المفصلة والفيديوهات المدروسة لنقل الصورة المناقضة لما تبثه أدوات الحرب الإعلامية على سوريا ، ومهما كانت القنوات المتواطئة معادية فهي لن تستطيع مع تغير الظروف تجاهل وقائع ما سيجري لهذه الناحية ، أما النتيجة الثانية فهي وضع مجلس إسطنبول ومن وراءه دوليا وعربيا أمام حقيقة سقوط شعار إسقاط النظام والإعتراف أن الإطار المتاح هو للإصلاح وليس لإنتقال السلطة ، اما الثالثة فهي سقوط مجلس إسطمبول بين خياري قبول الحوار و النزول عن الشعارات التي هدرت تحتها دماء السوريين أو الخروج عن الحوار وفقدان الغطاء العربي والدولي .
4- تفرض المرحلة الجديدة تحديات جديدة أهمها سعي المعارضة المدعومة من تركيا وقطر لإستثمار مناخ الحريات والمراقبين والإعلام لتوسيع نطاق تحركاتها جغرافيا وشعبيا ، وهذا لن يكون خطرا بعدما باتت شعبية المعارضة عاجزة عن تمثيل نسبة وازنة من السوريين خصوصا إذا إستنفرت المجموعات الوطنية السورية حضورها في هذين الشهرين لتقول أن الشعب يريد محاكمة غليون ، وجعلت هذا الشعار صوتا يصم الاذان في الساحات والميادين لأنه ممثل للأجنبي ورط شعبه وبلاده في مذبحة وفتنة أهلية ومعه الشعب يريد محاكمة القرضاوي ، والشعب يريد محاسبة قطر والجزيرة ليست قضاءا ولا قدر ، إن الحرص على الحضور اليومي بالملايين في الساحات والميادين سيصنع وحده النصر الكامل لسوريا تتويجا بالمشاركة ترشيحا وإنتخابا في البرلمان المقبل ، ليكون لوحة تعبر عن حقيقة السوريين وتلاوينهم تحت سقف الوطن والخيار المقاوم ومشروع الإصلاح ودائما تحت راية الرئيس بشار الأسد ، فحمص وحماة وإدلب ستكون ساحة تقاسم للحضور الشعبي ومعها إدلب ودير الزور ، بينما اليوم عناوينها أفعلامية مسروقة بإتجاه واحد ، والقنيطرة والسويداء والرقة والحسكة ستكون ساحات حضور للخيار الوطني العربي الكاسح بين السوريين ، لكن الكلمة الفصل ستكون لللاذقية وطرطوس ودمشق وحلب حيث الملايين ستحدد من ينطق بإسم الشعب السوري .