نعم لإلغاء وزارة الإعلام السورية
2011-07-27
وزارة الإعلام السورية، مثلها مثل، بعض الوزارات الأخرى، "متل قلتها"، فهي لا في العير ولا في النفير، ولا للسيف ولا للضيف ولا لغدرات الزمان التي تعصف بسورية اليوم، إضافة إلى ممارسة هوايتها المفضلة في التعتيم والأظلمة والإعدام واللعب والضحك على ذقون العباد المساكين الذين لم يعد من السهل خداعهم الضحك على ذقونهم. وأصبحت تالياً بوقاً أصولياً لا تميزه عن أي بوق تابع للفرع الدولي لتنظيم القاعدة لا تستضيف إلا رجال الدين المعممين، ولا تنشر غير الفكر الظلامي والبرامج التي تمجد بدو الصحراء التاريخيين الذين يعيدون هجومهم وغزوهم لسوريا بأسلوب وثوب جديد، ولا تحتفي شاشاتها إلا بالمناسبات الدينية والقومية وغابت التعددية والثراء المجتمعي والفكري والثقافي السوري الحضاري العظيم عن شاشاتها، وصارت مسلسلات ظلامية وإرهابية وسلفية وبدوية من مثل باب الحارة، والقعقاع، وصلاح الدين، من أبرز مساهماتها في دعم موجة المد والفكر الأصولي التي نحصد ثمارها اليوم، وعبر مغازلتها للتيار إياه، وأثابها الله على هذا الفعل البطولي، في ظل تغييب مدهش ولافت لأي قبس علماني وتنويري.
ولا أدري ما هي إنجازاتها خلال عقود مريرة ظلماء. إذ لم تسهم، فعلياً، سوى في رسم أسوأ الصور عن سوريا التي تبدو بائسة فقيرة وجدباء ومقفرة من الإبداع الإعلامي، وكانت هذه الوزارة، كغيرها، سبباً لتطفيش وتهجير وتمسيخ وتقزيم كل الكفاءات الإعلامية الجيدة والماهرة والخبيرة لتحل محلها كوادر انتهازية متملقة غير مؤهلة وغير كفؤة ولم تثبت جدارتها ومعيار تقييمها ليس من عندنا، بل لأنها لم تنهض بالإعلام السوري ولم تقدم له أي شيء يذكر ولا تاريخ نظيف أو تضعه على سلم الإعلام العالمي المنافس. لكنها، مع ذلك، جثمت، برمزوها على صدر لسوريين عقوداً من الزمن، لم تثبت فاعليتها ولا نجاعتها ولا حضورها، لا المحلي ولا العالمي، وخاصة خلال الأزمة الحالية التي تعصف في سوريا، فكل رموز الإعلام السوري التقليدية المعروفة، التي حلبته دهراً، منزوية وغائبة عن الساحة ولا أحد يعرفها عالمياً، وليس لديها ما تقدمه، فانشغالاتها مختلفة تماماً، أو ربما لا تعرف ما تقوله في ظل هذا الواقع المستجد، وتائهة في تموضعاتها، كونها أدمنت المصلحة والحسابات والانتهازية في مواقفها وليس المبدئية والشرف المهني والالتزام الوظيفي ولنا في سميرة المسالمة عشيقة الإعلام السوري الأثيرة، ومدللته لوقت طويل، خير مثال على أنموذج الإعلاميين الذين ربتهم هذه الوزارة الضحلة الفاشلة غير المؤثرة، هذه الصحفية التي خذلت نظامها في أحلك الأوقات، وانقلبت عليه، ووجهت ضربة قاصمة على الهواء للإعلام السوري.
وبناء عليه، ليس من المستغرب، البتة، أن يكون معظم من تصدى للهجمة الإعلامية التحريضية الشرسة والمغرضة ضد سوريا، هم من خارج منظومة الإعلام الرسمي الحكومي التقليدي الفاشلة الزبائنية والعاجزة عن تحقيق أي نجاح على أي صعيد، ولا علاقة لهم تقريباً بهذا الإعلام الذي لم ينجب غير الفاشلين والمقعدين، ناهيكم عن انعدام النجومية في هذا الإعلام، وغيابه تماماً عن رموز وزارة الإعلام السورية. من يستطيع اليوم ذكر أو تسمية اسم أي نجم إعلامي في سماء الإعلام الرسمي السوري الحكومي؟ من يستطيع تسمية اسم مدير التلفزيون أو الفضائية السورية؟ من يحفظ اسم مذيع أو مقدم برامج لامع أو برنامج تلفزيوني شعبي جامع لكل السوريين يلتفون ويتحلقون حوله كل مساء.؟ ولماذا أصبح هذا الإعلام مصدر تنفير للمشاهد والمتابع السوري؟ من يقرأ اليوم افتتاحيات الصحف السورية الكبرى؟ ومن ينقلها اليوم كما تنقل المواقع الكبرى المعروفة مقالاً لرئيس تحرير هذه الصحيفة وغيرها وبغض النظر عن محتوى المقال؟ ولماذا ظل رؤوساء تحرير الصحف الكبرى في الظلمة والعتمة مع أن جوهر عملهم هو الإعلام؟ لا بل من يعرف أسماء رؤساء تحرير الصحف الكبرى الرسمية الذين تجري ظريقة تعيينهم بالطريقة المدمرة المعروفة وبـ"التزكيات" والقنوات غير المهنية المعروفة من قبل جهات " نافذة" لا علاقة ولا خبرة ولا دراية لها هي الأخرى بأي شيء في مجال الإعلام الذي أصبح اقتصاداً قائماً بذاته، وعلماً وصناعة وتسويقاً وفنا يتطلب الموهوبين والأكفاء والمبدعين والشجعان لا المطبلين والمزمرين والمصفقين المتملقين الفارغين السطحيين المسطحين.
ومن المؤسف، تماماً، أن معظم وزراء الإعلام في سوريا، كانوا من خارج الجسد الإعلامي السوري وأظرفهم طرا المتصابي محسن بلال نكتة الإعلام السوري التاريخية الذي صرعه أحمد منصور الصحفي البذيء والتافه وجعل منه ألع
وبة ومسخرة إعلامية على هواء الجزيرة في لقائهم الشهير تساءل عندها الجميع من أين أتوا بهذا الوزير الجهبذ الفهيم؟ وهذا ما ساهم إلى حد كبير في المجزرة والكارثة الإعلامية التي عاشتها سوريا خلال الآونة الأخيرة والتي لم تستعد لها جيداً. لكن من أفضل إبداعات هذه الوزارة التي يجب أن تسجل في كتاب غينيس هي لعبة الطرابيش الوظيفية التي تمارسها منذ عقود، والتي تقضي بتغيير الإدارات وتوزيعها على المحسوبين ورجالات الإعلام المدللين المحظيين المحبوبين، وفق لعبة تغيير الطرابيش الكراسية والوظيفية. فيأخذوا، مثلاً، مديراً فاشلاً من التلفزيون، ليعينوه مديراً في الإذاعة، ومن ثم ينقلون مدير الفضائية إلى القناة الثانية، ويعيدوا مدير القناة الثانية إلى جريدة رسمية، ليعودا ويغيروا مدير القناة الأولى بمدير المحطة الأرضية، "يجيبوا"، ومن دون أن تدري لش، ابنة متنفذ أو مسؤول سابق، كمدير عام للإذاعة والتلفزيون بحاله، وهكذا دواليك من علاقات نفعية وزبائنية وشللية وتبادل مصالح ومنافع ومناصب وحك لي كي أحك لك، لاعلاقة لها بأية منجزات أو مؤهلات وخبرات ولا أحد يعرف سر، ما سبب وخلفيات ودوافع هذه التنقلات سوى استمرار هذه الرموز الفاشلة والبائسة على رقاب الإعلام كما على رقاب المشاهد السوري ومن دون أي إنجاز.
ويقال والله أعلم، أن وراء كل واحد من هؤلاء المدراء، أو أي وجه جديد، ويا عيني عليه وعليها، يظهر على الشاشات، "متنفذاً" كبيراً، يرعاه ويرعاها، ويحتضنه ويحتضنها، ويتبناه ويتبناه، ومن دون أي اعتبار لكفاءة ومهنية هذا المحظي أو المحبوب أو ذاك، ويستمد شرعيته، ووجوده، وحضوره، من وجود ورجة تأثير ذاك "المتنفذ" الذي يود أن يصنع منه أو منها، نجماً أو نجمة إعلامية يحارب به، وبها، الجزيرة والسي إن إن والبي بي سي وغيرها من حيتان الإعلام العالمي. وكم سمعنا أن هذا الإعلامي يقف وراءه ذاك المتنفذ، وتلك الإعلامية يدعمها ذاك الحوت الكبير، وهكذا دواليك. وأن هذا المتنفذ هو من يفرض هذا الإعلامي أو ذاك ويقف خلفه، وخلف كل كلمة أو مادة تنشر أو وجه يظهر في الإعلام الرسمي الحكومي الذي يكتفي بدور المنفذ لإملاءات وتعليمات وتوجهات تلك الجهات النافذة التي لا تفقه بالإعلام، وغير مؤهلة للتعامل معه، ولا علاقة لها به من قريب أو بعيد وتريد تابعين ومصفقين أكثر ما تريد إعلاميين، ومن ترضى عنه هذه الجهات النافذة تفتح له أبواب الإعلام الرسمي الحكومي على مصراعيها كما تغلق في وجه آخرين. وهذه واحدة من مؤسفات الإعلام السوري الكبرى ومحزناته التي أودت به في هذا الوضع البائس المزري الكئيب.
وليس من الصدفة أبداً أن تكون الدول التي ألغت وزارات الإعلام وتركت هذا الفضاء لأصحابه هي الدول التي لا وزارة إعلام فيها، وعلى رأسها، قطر، ما غيرها، صاحبة الجزيرة، التي تضخمت وتورمت بفعل قناة فضائية بحجم فيلا لا غير بالدوحة، والتي كانت المهنية والتاريخ الإعلامي والموضوعية والاحتراف، والاحتفاء والاهتمام بالمواهب والكفاءات الإعلامية وصنع النجوم الإعلامية عناوين عملها، وليس التملق، والمحاباة، والواسطة، والتزلف، والشللية، والزبائنية، وعلاقات القرابة، والمعرفة، والتمييز، والتفضيل، والعشيرة والاعتبارات البائسة الأخرى التي ما زال الإعلام البائس والفاشل يعمل بها ويتخذها منهجاً له.
هناك الكثير مما يمكن قوله في هذا الجانب والفضاء ما دام أن الجرح انفتح وبان القيح والوسخ والصديد، لكن سنكتفي بهذه العجالة والإيجاز ولن نزيد، رغم توفر الكثير سنتركه إلى ما بعد الدفن والتشييع عملاً بالقاعدة الشرعية اذكروا محاسن إعلامكم. ومن هنا، نعتقد أن إلغاء وزارة الإعلام السورية، التي باتت عقبة كأداء في وجه تقدم سوريا، الفاشلة تاريخياً، والتي لا عمل ولا إنجاز لها، بات أكثر من مطلوب، وهو أعظم وأجل خدمة تسدى لسوريا وللسوريين وللإعلام السوري، وترك هذا الفضاء الإبداعي لأهله مجالاً للتنافس الحر والشريف وملعباً لمن يثبت جدارته وليس لمن يثبت ولاءه وتملقه وتزلفه ورياءه وشطارته في فن مسح الجوخ والتدليس. وبانتظار تشييع هذه الوزارة الفاشلة إلى مثواها الأخير، دمتم بخير وسالمين، وعافانا الله وعافاكم من منجزات وزارة الإعلام السوري.
نضال نعيسة - خاص
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]