مشروع قانون تفرغ الأطباء ... ضمان لتحسن الخدمات في المشافي الحكومية فهل سيرى النور؟
"أتمنى أن يصدر هذا القانون لنحصل على حقوقنا نحن الفقراء" هذا ما قاله محمد أحد المراجعين لمشفى حكومي، في إطار شكواه عن طبيب في المشفى بتحويله إلى عيادته الخاصة، بعد أن "دوخوه" بحسب تعبيره بين غرف المشفى.
أمنية محمد بأن يتفرغ كل طبيب للعمل في قطاع معين دون الارتباط بأكثر من جهة ضماناً لحقوق المرضى، تتطابق مع ما تسعى إليه نقابة الأطباء في سورية بتحسين مستوى الخدمة الطبية المقدمة في القطاع الحكومي وضمان حقوق الأطباء بنفس الوقت.
بين مؤيد ومعارض لمشروع قانون التفرغ الطبي الذي تم الانتهاء من إعداد مسودته كان لسيريانيوز وقفة مع أطباء ومواطنين لاستطلاع آرائهم ومدى ترحيبهم بصدور هذا القانون.
استغلال المرضى الفقراء
يقول محمد( 30 عام، موظف في القطاع خاص) "أؤيد بشدة تفريغ الأطباء للعمل في المشافي الحكومية، لما يسهم ذلك في الحد من تراجع مستوى الخدمات المقدمة في هذه المشافي خاصة وأن غالبية المواطنين لا يمكنهم دخول المشافي الخاصة بسبب ارتفاع تكاليف العلاج فيها".
ويتابع "إن عدم تفريغ الأطباء للعمل في القطاع العام أدى إلى وجود مشكلة كبيرة تتمثل بقيام بعض الأطباء من ضعاف النفوس بالتعاقد مع القطاع العام من أجل سرقة المرضى من المشافي العامة إلى المشافي الخاصة أو العيادات، فنادراً ما نجد الأطباء الأخصائيين في المشافي إذ ينهون دوامهم بسرعة كي يتمكنوا من التفرغ للعيادات والمشافي الخاصة".
بدورها، قالت حنان(ربة منزل) "إن التقصير وعدم تواجد الطبيب في المشفى أدى بشكل أو بآخر إلى حدوث أخطاء طبية في المشافي الحكومية حيث بات الطبيب الاختصاصي يعتمد على الطبيب المقيم (الذي يتخصص) في المشفى العام بشكل كبير، لذلك فإن قانون التفرغ الطبي ضروري للحد من الأخطاء الطبية الناتجة عن التقصير، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة".
ارتقاء بالخدمة
ولم تكن تلك وجهة نظر المواطنين فقط بل أيدها الطبيب س .م الذي قال"هذا القانون هو الحالة الوحيدة التي تحدد بدقة الخدمات التي تقدم في القطاع العام، وتؤمن حافز للعناصر البشرية العاملة في هذه الخدمات من خلال الفصل بين تقديم الخدمة في القطاع الخاص والعام".
ولفت س.م إلى أن "التفرغ يتكفل بحصر المريض الذي يراجع القطاع العام والمريض المراجع للقطاع الخاص، بحيث لا يتم استغلال مريض القطاع العام وتحويله للخاص من قبل بعض الأطباء".
ولفت الطبيب إلى أن "الكسب الأهم في القانون هو تأمين وقت كاف لدى الأطباء
والكادر الطبي للعمل على تحسين جودة الخدمات في المؤسسات العامة ويخصص الطبيب وقته وجهده للمشفى" .
أجور غير منصفة
وبحسب مسودة القانون فإن التفرغ سيكون اختيارياً مقابل تعويض قد يصل إلى 300 بالمئة من الراتب المقطوع، إضافة إلى تعويض مسؤولية باعتبار مهنة الطب من المهن الخطرة، فضلاً عن المكفآت والحوافز.
وهذا الأجر قوبل بالمعارضة من قبل البعض، فيقول طبيب فضل عدم الكشف عن اسمه "أي طبيب تخرج حديثاً بإمكانه التعاقد مع شركة أدوية وتحصيل راتب ثلاثين ألف ليرة على الأقل، هذا عدا عن الأجور التي يتقاضاها من مصادر أخرى فمهما قلت خبرة الطبيب بإمكانه تأمين مبلغ 45 ألف ليرة بسهولة ويكون هذا الرقم قابل للزيادة، والـ45 ألف هو الأجر الذي أتوقع أن يتقاضاه الطبيب في حال التفرغ، فلست من مؤيدي التفرغ ولا أعتقد أن أحداً سيؤيده".
بدوره، أكد الطبيب س.م أن "هناك من سيستفيد من الأجور إن تضاعفت ثلاث مرات عن الوضع الحالي، ومنهم الأطباء الحديثي التخرج أو من أصحاب العيادات التي لا تستقبل مراجعين كثر، أما الأطباء المعروفين وذوي الخبرة فلن يستفيدوا من هكذا قانون بسبب قلة الأجر الذي سيتأتى نتيجة التفرغ".
التزام بسيط يفي بالغرض
وكان لطبيب التخدير وعضو مجلس إدارة في جمعية المخدرين السوريين بسام حسين رأي معتدل إذ قال"من حيث المبدأ التفرغ هو الإجراء الضروري والبديهي لسلامة أداء الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وينعكس إيجاباً على مستوى الخدمات المقدمة، ولكن بالنظر للواقع الموجود في سورية نجد أن الطبيب لديه أكثر من التزام في مشافي القطاع العام و الخاص فضلاً عن العيادة، ولا يمكنه الاعتماد فقط على مصدر واحد للدخل وهو الأجر الذي يتقاضاه من المشفى العام ، ولن يتفرغ إلا بوجود ما يحفزه إلى ذلك".
وتابع "على سبيل المثال في أحد مشافي القطاع العام بحلب هناك حوالي 160 طبيب أخصائي لكنهم لا يخصصون من وقتهم للمشفى أكثر من ساعتين يومياً من أجل الالتحاق بعملهم الخاص، وهذا بالتأكيد ينعكس على جودة الخدمة، ومع ذلك رواتب هؤلاء يتم صرفها، ولكن إن التزم 25% منهم فقط بالدوام الكامل وتم توزيع رواتب الجميع على هؤلاء سنشهد تحسناً ملحوظاً في مستوى الخدمة المقدمة" .
التفرغ يضمن العدل والتأمين الصحي ملازم له
وفي إشارة من الحسين إلى ضرورة وجود ضوابط من أجل ضمان العدل في توزيع الرواتب قال "هناك أطباء مستفيدين من ازدواجية الأنظمة في قطاع الصحة فبعضهم يصل راتبه الشهري إلى 300 ألف ليرة في مشفى عام من خلال العمل في الأقسام المأجورة في القطاع العام وخاصة جراحة القلب، فلا بد عند وضع قانون للتفرغ الطبي أن يكون هناك نوع من المساواة بين رواتب الأطباء فلا يحصل الطبيب العامل في الأقسام المأجورة على راتب أعلى من غيره".
وفيما يخص قطاع التأمين لفت الحسين إلى أنه "من الممكن أن يلعب عاملاً هاماً إن تم تحويل مشافي الدولة لمشافي تستقبل مرضى التأمين، وبالتالي سينعكس ذلك على راتب الطبيب، ولكن بنفس الوقت يجب العمل على تحسين الوضع في هذه المشافي كي تصبح مرغوبة من قبل المواطن"
لافتاً إلى أن "مشافي الدولة من ناحية الأجهزة الطبية التي تحويها والتقنيات والكوادر الموجودة فيها لا يمكن لأي مشفى خاص أن ينافسها، ولكن المشافي الخاصة تقدم الخدمات الفندقية للمواطن وهذا ما يغريه، علماً أن مديرية الصحة تقف موقف غير فاعل إزاء الأخطاء المرتكبة فيها وتعاني هذه المشافي الخاصة في حلب من تدني مستوى الخدمة الطبية إذ لا يخلو شهر من حادثة أليمة تقع فيها، وقد توفيت الشهر الماضي امرأتان بنفس المشفى الخاص أثناء عملية الولادة، فلو تم تحسين مستوى الخدمة في القطاع العام وتفريغ الأطباء فيه لكان ذلك من مصلحة المواطن".
وختم الحسين حديثه بالقول "في جميع دول العالم كلبنان والسعودية وأمريكا وتركيا وأوروبة يتعاقد الطبيب مع مشفى واحد فقط، هذا ما يجعله يخصص وقته بالكامل لعمل واحد، وبنفس الوقت يحصل على أجر يعادل حجم عمله".
ضرورة تفرغ أطباء التعليم
نقابة الأطباء رأت بدورها أن القانون يتمحور حول قطاعين هما الصحة والتعليم العالي، ولكل من هذين القطاعين ضرورات من أجل التفرغ إلا أنه من المتوقع أن يكون هكذا مشروع مؤجل في الوقت الحالي لأسباب وضحتها النقابة.
وذكر نقيب الأطباء وائل الحلقي أنه "فيما يتعلق بالأطباء في وزارة التعليم العالي لا تقتصر مهنة الطبيب على تقديم الخدمات الطبية للمواطن، بل هناك أيضاً مهمة التأهيل والتدريب لطلاب الدراسات، إضافة إلى شيء مهم وضروري وهو البحث العلمي للوصول إلى الطب المسند بالبرهان، وانطلاقاً من هذه الأمور الهامة تم التوجه باتجاه ضرورة تفرغ أعضاء الهيئة التدريسية ولكن بشكل تدريجي بعد أن يتم تأمين مستلزمات العمل من مراكز وعيادات تخصصية، تعتبر بمثابة مراكز بحثية وتقدم لهم حوافز إضافية، علماً أن تكلفة مثل هذه المراكز تصل إلى 13 مليار ليرة وبالتالي لا يمكن المباشرة به في المنظور الحالي".
وأطباء الصحة أيضاً
أما قطاع الصحة فبين الحلقي أنه سيشهد نهضة ملفتة في حال طبق القانون فقال"في ظل ازدياد عدد الأطباء من الخريجين، وتحويل عدد كبير من مشافي القطاع العام إلى هيئات مستقلة، وبالتوازي مع إطلاق مشروع التأمين الصحي، أصبح تفرغ الأطباء في الوزارة ضرورة ملحة شريطة أن يكون التفرغ اختيارياً مقابل تعويض قد يصل إلى 300 بالمئة من الراتب المقطوع، إضافة إلى تعويض مسؤولية باعتبار مهنة الطب من المهن الخطرة، إضافة إلى حوافز تقدمها الهيئات المستقلة للوصول إلى الخدمات الصحية الجيدة التي ترتقي بطموحات المواطن".
معوقات تحتاج لدراسة
والتقت سيريانيوز رئيس فرع نقابة الأطباء بريف دمشق الدكتور أحمد الدرة الذي قال"إن فكرة هذا القانون موجودة منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن على ما يبدو أنه من الصعب التوصل لصيغة ترضي جميع الأطراف، وفيما يخص إعداد المسودة الحالية لم أشارك فيها إذ قام نقيب الأطباء بالتعاون مع جهات أخرى بإعدادها، ولكن كرأي أجد أن غالبية الأطباء لديهم انتماءين العيادة والمشفى، ومهما كان الطبيب مثالياً سيفضل مرضى العيادة الخاصة على مرضى المشفى العام، كون ذلك سيدر عليه أرباح، وكثيراً ما نسمع عن أطباء من ضعاف النفوس يقومون بتحويل مرضى القطاع العام إلى عياداتهم الخاصة، وهذا يخلق مشاكل، ومن الممكن أن يقوم الطبيب بمغادرة المشفى العام في حال كان لديه مرضى في العيادة، لذا يعد هذا القانون ضرورة من أجل الحد من هذه الأمور".
وتابع "ليتحقق قانون التفرغ الطبي يجب أيضاً أن يترافق مع دخل جيد للطبيب ولا يقتصر على 15 ألف ليرة، وربما بتحويل المشافي لهيئات مستقلة ووجود حوافز وتعويضات قد يشكل ذلك عرضاً مغرياً لبعض الأطباء".
تراجع لصالح القطاع الخاص
ولفت الدرة إلى سلبيات القانون بأنه "من الممكن أن يتجه نحو التفرغ الأطباء الذين إما أن يكونوا من ذوي الخبرة القليلة أو حديثي التخرج، فنخسرالأطباء ذوي الخبرة الذين سيفضلون العيادات الخاصة على القطاع الحكومي، وبالتالي تنشأ فروقات بين القطاعين العام والخاص ويتراجع مستوى القطاع العام".
إلا أن الدرة عاد وأكد أنه "بوجود التأمين الصحي وتحويل المشافي لهيئات مستقلة تستقبل المرضى المؤمنين صحياً، من الممكن أن يزيد ذلك من دخل الطبيب ويشكل عاملاً للمنافسة بين الأطباء فيرتبط الأجر بمقدار العمل والجهد المبذول من قبل الطبيب".
يشار إلى أنه تم مؤخراً إقرار مسودة مشروع قانون تفرغ الأطباء الجديد من قبل اللجنة المشكلة من القيادة القطرية وعضوية وزير التعليم العالي والصحة والخدمات الطبية ونقيب الأطباء وعميد كلية الطب، وستتم مناقشته عبر المؤسسات المتسلسلة ليصار إلى إصداره بالشكل المثالي.
سيريانيوز