السيدة الحرة حاكمة من بلاد المغرب
الحرة بنت راشد... حاكمة تطوان
حظيت الست الحرة بشهرة واسعة النطاق، فقد اعتنى المؤرخون المغاربة
والأجانب بها على حد سواء، ولعل شهرة هذه السيدة قامت على
اعتبارات كثيرة منها أنها ابنة أمير شفشاون علي بن راشد تـ
(917هـ - 1511م)، وهي الأخت الشقيقة للوزير أبي سالم الأمير إبراهيم
بن راشد، زوجة قائد تطوان محمد المنظري، وحاكمة تطوان لأزيد من ثلاثة
عقود، وزوجة السلطان أحمد الوطاسي (932 – 956) ابن السلطان محمد
الشيخ (910 – 932) واعتبر هذا الزواج زواجا سياسيا بامتياز.
فهي الست الحرة بنت الأمير علي بن موسى بن راشد بن علي بن سعيد
ابن عبد الوهاب بن علال بن عبد السلام بن مشيش، فهي شريفة
النسب علمية إدريسية حسنية.
اختلف المؤرخون في اسمها، فبالرغم من شهرتها باسم الست الحرة،
فقد ادعى بعض المؤرخين خاصة الأجانب منهم، أن اسمها هو عائشة،
حيث وقع الخلط لديهم بينها وبين عائشة بنت أحمد الإدريسية أم القاضي
محمد بن عسكر الحسني الشفشاوني صاحب كتاب دوحة الناشر،-
كما هو الحال عند كل من "هنري دو كاستري" و"شنتال دو لافيرون"،
ومن المغاربة المؤرخ محمد داود، والعلامة عبد الله كنون، والأستاذ إبراهيم
حركات ومحمد حجي وغيرهم كثير... فهم يجعلون لفظ (الحرة) لقبا كان
يطلق عليها تشبيها لها بأنثى الطائر الحر الذي هو الباز، نظرا لما يتمتع به
هذا الطائر من مزايا عديدة يتميز بها عن سائر الطيور، فهي قد شبهت به
في نظر هؤلاء لما كانت تتمتع به من ذكاء وشجاعة ونخوة وخبرة
سياسية...
في حين يذهب الأستاذ محمد داود في كتابه تاريخ تطوان "...أنها لقبت
بالحرة تمييزا لها عن الإماء، لأن الناس في ذلك العصر كانوا يكثرون من
التسري بالجواري..." أما الأستاذ عبد القادر العافية فيرى أن أبوي الست
الحرة اهتديا إلى هذا الاسم تيمنا بملكة غرناطة الذائعة الصيت، وأيضا لأن
وثيقة عقد زواج الست الحرة بالسبطان أحمد الوطاسي، أتبثت بما لا
مجال للشك أن اسم الأميرة الراشدية هو "الحرة" لا عائشة.
ولدت الست الحرة بشفشاون حوالي سنة (900هـ - 1493م) بمدينة
شفشاون، وتربت ونشأت في بيت جهاد، فقد كان والدها الأمير علي بن
موسى بن راشد ، مختط مدينة شفشاون، وقائدها، وتلقت تعليمها على
يد أشهر العلماء والفقهاء بهذه المدينة، مما لا شك فيه أن هذه التربية
ساهمت في جعل الست الحرة تحصل على ثقافة واسعة انعكست على
تصرفاتها وقراراتها فيما بعد.
وفي هذا الموضوع يقول صاحب كتاب (أسرة بني راشد بشمال المغرب):
"تروي لنا الأخبار سواء البرتغالية أو الإسبانية أن هذه السيدة النبيلة كانت
تتوفر على ذكاء نادر، وأخلاق سامية هيأتها لتأخذ بيدها السلطة، وذلك
بسبب التعليم الذي تلقته من أشهر العلماء ورجال الدين في عصرها...".
لم تطل إقامة الست الحرة في مسقط ر أسها وبين ذويها، فما إن اكتمل
نضجها، في نحو الثامنة عشر من عمرها، سترتبط بأحد قواد والدها
المنظري الثاني، وكان الغرض من هذا الزواج بين الأسرتين هو تقوية روابط
المصاهرة وجمع الشمل وتوحيد الكلمة قصد تقوية جبهة الجهاد ضد
التدخل الأجنبي للثغور الشمالية، فانتقلت معه إلى تطوان، حيث وجدت
وسطا أندلسيا مثقفا رقيق الحاشية كالذي تربت فيه في مدينة
شفشاون، فأنجبت منه بنتا واحدة، لم يذكر لنا التاريخ اسما لها، بل فقط
زواجها من المنظري الثالث حفيد المنظري الأول (تـ946هـ).
لم يكن زوج الست الحرة يرضى عن احتلال البرتغاليين لطنجة، أصيلا،
سبتة، القصر الصغير وغيرها، لذلك كان في نضال مستمر معهم، ونظرا لما
لمسه من نضج وسداد الرأي لدى الست الحرة، فقد كان يلتمس منها من
الإرشاد والنصح، مما مكنها من تولي بعض الأحكام أثناء غيابه عن المدينة
لمنازلة الأعداء، وبهذا الحضور المتميز للست الحرة، اكتسبت خبرة كافية
وتجربة سياسية كبيرة لتسيير شؤون المدينة وحدها فيما بعد.
ظلت الست الحرة في بيت زوجها حوالي تسع سنوات قبل أن يلتحق
بالرفيق الأعلى عام 925هـ، وبموته أصبحت مدينة تطوان خاضعة للأمير
إبراهيم بن علي بن راشد حاكم شفشاون، وبقيت كذلك حتى أصبح هذا
الأخير وزيرا للسلطان أحمد الوطاسي وقائدا لأركان حربه، فقام بتنصيب
أخته الحرة حاكمة لمدينة تطوان.
فأضحت السيدة الأولى فيها، تحت ظل الأمير إبراهيم القائد الحقيقي
لتطوان وشفشاون، ومما أكدته بعض المصادر التاريخية، أن سكان تطوان
لم يجدوا حرجاً في حكمها لما كانوا يرونه من حسن تدبيرها و رجاحة
سياستها، و قد مرت فترة حكمها دون رد فعل من طرف الفقهاء والعلماء.
اهتمت السيدة الحرة بتدبير شؤون المدينة بشكل يوافق ماهو معروف في
الحواضر الكبرى، كما أولت اهتماما كبيرا بالجانب العسكري لعلاقته
بالجهاد البري والبحري، (حيث كانت تتوفر على أسطول بمرتيل متأهب
دائما للقيام بغارات ضد الإيبريين)، فكانت للمدينة حراسة دائمة في
أبراجها بسبب التهديد البرتغالي والإسباني الدائمين لها.
إذا كان الزواج الأول للست الحرة قد وقع فيه خلاف بين المؤرخين، فإن
زواجها الثاني من السلطان مولاي أحمد بن محمد الوطاسي قد أجمع
عليه المؤرخون المغاربة والأجانب، وقد تم في مدينة تطوان بتاريخ ربيع
الأول عام 948هـ/29 يونيو سنة 1541م، حسب ما ورد في عقد قرانها.
بعد عودة السلطان لعاصمة ملكه فاس، لم يصطحب معه زوجته الحرة،
ولكنه تركها في تطوان خليفة عنه، والقائمة بالعلاقات الخارجية بينه وبين
البرتغال.
أنشأت السيدة الحرة أسطولا بحريا تجاريا على مستوى عال إذ كانت
سفنها تجوب أغوار البحار مما خول لها أن تربط علاقات خارجية خصوصا مع
جيرانها الجزائريين والإسبان. فقد سجل لها التاريخ الغربي مساعداتها
لحاكم الجزائر "بارباروس" عند قيامه بالجهاد البحري. ومساعداتها للإسبان
والبرتغال الذين عقدوا معها علاقات وثيقة بصفتها القوة البحرية المسئولة
عن المنطقة من أجل إطلاق سراح أسراهم.
وقد أدى إصرار الست الحرة على استقبال السفن التركية، والتعاون مع
المجاهدين في المغرب الأوسط إلى تأزم العلاقة بينها وبين حاكم سبتة،
نتج عنه توقف التبادل التجاري بين المدينتين سنة 1542 ميلادية، وهو ما
زاد في تدهور الوضع لدى التجار، ودبرت المؤامرة التي أطاحت بحكم الحرة
على يد محمد حسن المنظري، الذي صادر أملاكها وأبعدها عن الحكم
في 23 أكتوبر 1542 ميلادية .
وبهذه النظرة الموجزة عن شخصية الست الحرة وعن بعض ظروف حكمها
لمدينة تطوان في القرن العاشر الهجري، نكون قد أسهمنا في إزاحة
الستار عن سيرة امرأة تعد من أبرز النساء في تاريخنا الوطني بالمغرب
الأقصى.
يقول بعض المؤرخين :
(اننا نجد التاريخ المغربي يجحف السيدة الحرة حقها فلم يذكر لها حسا ولا
خبرا، كأنها لم تمر في عهد حكمها لمنطقة شفشاون بشمال المغرب
خلال القرن 16م. هذه الحاكمة التي أوتيت هي أيضا من كل شيء أوتيت
من العلم والذكاء وشرف النسب وخبرة سياسية لأنها نشأت في وسط
يسوده جو الزعامة والقيادة فهي ابنة أمير شفشاون علي بن موسى بن
راشد وشقيقة وزير وزوجة حاكم تطوان محمد المنظري ومن بعده زوجة
السلطان أحمد الوطاسي.
أجحفها التاريخ حقها لا لأن التدوين لم يكن في تلك الفترة، وإنما لكون
شخصيتنا امرأة فجرى عليها ما جرى على الأمة من انحطاط بصفة عامة
وعلى كل امرأة في تاريخ الإسلام. فبعد العهد النبوي والخلافة الراشدة
الذي عرفت فيه المرأة حضورا ومشاركة فعلية في كل المجالات نجد هذه
الأبواب التي فتحت في وجهها قد سدت وضربت عليها أقفال كضمان لعزتها
وكرامتها. ) .
............................................