قنطرتان حجريتان هي ما تبقى من بناء قديم لمعبد أو كنيسة بيزنطية في قرية "صما البردان" جنوب شرق "صلخد" 12 كم، وتضم القرية حتى تاريخه، بقايا العديد من الأبنية التاريخية: "بيزنطية"، و"رومانية" و"الأبراج النبطية".
ولعل أغرب ما في هاتين القنطرتين اللتين عُرفت بهما في المحافظة بـ"أم القناطر"، أنهما على تحديهما لعوامل الزمان وصمودهما في وجه مدافع العثمانيين والفرنسيين، فإن طفلاً صغيراً يستطيع أن يهز أياً منهما، فتبدو ظلال القنطرة منهما وهي تتراقص على إسفلت الشارع، حتى يخيل للعابر أنها ستنهار فوراً.
مديرية آثار السويداء التي قامت خلال العام الماضي 2007 بإعادة قفل إحدى القنطرتين إلى مكانه، بعد أن اصطدمت به آلية ثقيلة، أكدت- على لسان المهندس "وسيم الشعراني" مدير الآثار- أنها ستتابع العمل للكشف عن أجزاء تحت الأرض للكنيسة حالما تنجز الدراسة الأثرية للموقع.
بين الأمس واليوم!!
القرية القديمة التي باتت اليوم جزءاً من نسيج البناء العصري حيث يقطنها قرابة /4000/، يتعانق في بيوتها سحر الماضي ونضرة الحاضر، وللمفارقة نعرض بعض صور الماضي، أي قبل أن تسكن القرية بشكل دائم، حيث كانت تستوطن بشكل مؤقت خلال موسمي الزرع والحصاد، وصور اليوم مع الإشارة إلى ما عانته آثار القرية، من عوامل الزمن!!
eSuweda التقت الأستاذ "كمال الشوفاني" ضمن جهوده الهامة، في التعريف بآثار المحافظة، حيث صدر له ترجمة وتحقيق لـمذكرات "غيرتورد بل في جبل العرب" وقد تحدث الشوفاني في هذا اللقاء عن أهمية القرية، خاصة خلال الفترة المسيحية، استناداً إلى كتاب "العمارة القديمة في سورية" لمؤلفه "هوارد كروسبي باتلر"، "القسم الأول– سورية الجنوبية- الجزء الثاني".
تضمن الكتاب أن آثار هذه البلدة هي من أجمل ما وجد في "المواقع الصغيرة" في جنوبي "حوران" وقد وجدت نقوش تشهد على قدم الموقع أحدها باللغة "النبطية" يسجل بناء بعض الصروح في عهد الملك "ماليكوس" (مالك) وآخر باللغة "الإغريقية" يظهر أن البلدة
قد ازدهرت في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد وتثبت الأبنية المسيحية بطرزها أنها كانت موقعاً هاماً في القرنين الرابع والخامس الميلادي.
"الكنيسة"
جاء في ترجمة الكتاب: هي البناء المميز هنا!.. واحد من أروع المباني بكل تفاصيله في كل أنحاء حوران، إنه بناء مربع (المخطط) بقنطرتين عرضيتين ومحراب نصف دائري يبرز نحو الشرق، والبناء على الأغلب كان كنيسة، الجدران الخارجية وجدران المحراب أزيلت تماماً حتى مستوى أعلى القناطر، حيث ردمت الأجزاء الباقية من الجدران، علماً أن القنطرتين لا تزالان في موضعهما الأصلي، وقد بنيتا بفاصل ثلاثة أمتار بين القنطرة والأخرى وهي المسافة نفسها بين كل جدار والقنطرة القريبة منه، يبلغ باع كل قنطرة عشرة أمتار، وقد استخدم ما لا يقل عن 35 (لبنة) حجراً في بناء كل قنطرة، ويقل حجم كل واحدة كلما اتجهنا باتجاه أعلى القنطرة (القفل)، تتألف كل لبنة بالتناوب من حجر منفرد وحجرين معاً يظهران الالتحام العمودي لسطح القنطرة الأدنى، وكل لبنة مرتبطة بمجاورتها بوصلة مرفقية (على شكل مرفق) كما يتضح في المخطط، فاللبنات التي تجاور كتف العقد، تمتد إلى الخلف وتأخذ شكلاً أفقياً لتوازي أحجار المداميك المجاورة للقنطرة وتصبح جزءاً منها، يلاحظ أن مداميك المثلثين المحيطين بالقنطرة من الأعلى، قد اختلفت تماماً باستثناء جزء من إحداها مازال معظمه قائماً، لا يوجد أي دعامة لأي من القنطرتين في هذه النقطة، إن تاج قاعدة القنطرة المنحوت بعناية، يعود بلا شك إلى "الفترة المسيحية" في "حوران"، والعمل على الحجر قد نفذ بتقنية عالية. ولا أتردد بالقول (المؤلف): إن البناء يعود إلى بدايات القرن الرابع الميلادي.
المباني السكنية
بين خرائب الأبنية السكنية في "صما"
هناك أمثلة على بيوت ضخمة، أربعة منها لها أبراج، منها اثنان محفوظان بحالة جيدة، أما الآخران فمهدمان.
إن الأجزاء الشمالية من البرجين المحفوظين والمحاذيين للكنيسة متصل كل منهما بمنزل، بجوار البرج الأول، إلى الشمال هناك حجرة كبيرة بقناطر باتجاه الشرق وتحتها إسطبل منخفض السقف. أمام المنزل من جهة الشمال يوجد فناء وبناء ضيق متطاول من طابقين بغرفتين، في كل طابق!..
لقد بني البرج بحجارة صفت بعضها قرب بعض بشكل جميل، والقناطر ودعائمها في الداخل نفذت بدقة عالية، ويصف باتلر زيارته بقوله: كان المنزل مسكوناً عندما زرت المكان ولهذا تعذر علي إجراء القياسات.
أما "البرج الثاني" الذي تدل عليه الصورة المنشورة جانباً، فقد بني على سور البلدة على امتداد منزل طويل ضيق بطابقين، كل منهما بغرفتين، في النهاية الغربية منه، بناء من طابقين بغرفتين بقناطر في كل طابق، تتجهان شمالاً وتطوقان جانباً من فناء مربع، الجانبان الآخران للفناء، يشغلهما بناءان منخفضان متطاولان، يعتقد أنهما كانا إسطبلان، هناك بعض السواكف المزخرفة في بيوت صما ولكنها جميعها ليست في مكانها الأصلي (منقولة).
النقوش
وهي (بلاطات حجرية تحمل نقوشاً)، فقد وجد بين الخرائب وسط البلدة، حجر مبني في جدار حديث، ترجمه "فتزشتاين ووانتغو" إلى لغته، ولكن الحجر الذي لم يزل موجوداً والحمد لله، لم يجد بعد من يترجمه إلى العربية؟!
كما يشير الكتاب إلى (ساكف): يحمل العبارة التالية: (تبردوس ماريون بن فارق أقام هذا كقبر له ولأولاده في عام 169 ميلادي!)
والترجمة عن: "إينو ليثمان"، "دافيد ماغي"، "دوان ريد ستيوارت"، "الكتابات الإغريقية واللاتينية في سورية"- "ليدن" 1910 ص 106-107.
أخيراً.. ليست قرية "صما البردان" ولا عشرات
المواقع غيرها، إلا جزءاً من عشرات المواقع غير المدروسة أو المكتشفة والتي تنتظر من يزيل عنها غبار الإهمال ويبعث فيها الحياة، لتكون مراكز جذب ثقافي وسياحي إلى جانب المواقع المؤهلة في مدن "السويداء" و"صلخد" و"شهبا"، وفق منظور عصري، يعيد الحياة للمدينة القديمة، فآثار محافظة السويداء، متحف في الهواء الطلق.. فهل نترك الزمن يكمل دورته؟ أم إن لدى مديرية الآثار، خطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المواقع التي يقدر عددها بحوالي 400 موقع، قبل أن يكمل الزمن دورته، فلا يبقى لنا إلا الصور التي تركها لنا المستشرقون والرحالة في مخطوطاتهم لتبعث فينا الأسى، فنعيد الوقوف على أطلالها لنتلو المراثي؟!