«
بات من الواضح من خلال ما سمعناه أمس أن موسكو وبكين عملتا في مؤتمر جنيف
على فضح النفاق الغربي وممارساته وواجهت الدول التي دعمت بالإجماع خطة
المبعوث الأممي كوفي أنان بالحقائق والإثباتات وطالبتا بدعم فعلي للخطة
والتوقف عن إرسال المال والسلاح إذا أرادوا فعلاً إنجاح أنان بخطته كاملة
وصولاً للحوار الوطني والحل السلمي للأزمة، لا أن يعملوا على تفخيخ الخطة
وتجاوزها واقتراح تعديلات عليها واستغلالها للسيطرة على سوريا والتدخل
بشؤونها وتقرير مصير شعبها نيابة عنه.
فموسكو وبكين تعرفان جيداً
ما تهدف إليه دول الغرب وبعض العربان العاملين لديهم، وتدركان أن لا هدف
لدى هؤلاء سوى فرض حلول ووصفات خارجية كما فعلت سابقاً في عدد من الدول
وحولوها إلى مستعمرات لا حول ولا قوة لها متجاوزين كل القوانين والمواثيق
والأعراف الدولية لفرض سيطرتهم ونهب ثروات الشعوب التي يدعون أنهم يدافعون
عنها والمثال الليبي خير دليل على نفاق الغرب وأطماعه.
الجميع
وافق على بيان أقل ما يمكن وصفه بأنه بيان سبق أن خطه السوريون سابقاً في
دعواتهم للإصلاح والتفافهم حول قيادتهم في مواجهة الإرهاب، لكن من جنيف
الكل قرأ البيان من منظريه، وبدأ يفسره كما يشاء أو يأمل، والواقع أن
الايجابية الوحيدة التي يمكن أن نستخلصها ونحن في الداخل هي التأكيد مجدداً
على إلزام الأطراف كافة بدعم خطة أنان والتوقف عن إرسال المال والسلاح
إضافة إلى الإحراج الكبير الذي سببه وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف حين
واجه زملاءه وتحدث عن الإعلام وما يقوم به من تحريض ودعم لمجموعات إرهابية
مسلحة وواجههم بحقيقة تعطشهم لحرية التعبير في الوقت الذي يقومون فيه بفرض
عقوبات على وسائل إعلام سورية رسمية وخاصة!!
لاشك أن مؤتمر جنيف
مهم لكن أهميته تكمن في التزام الدول في خطة أنان وصولاً إلى الحوار
الوطني، وأهميته أيضاً تكمن في تشدد موسكو وبكين في مواقفهما تجاه التدخل
في شؤون الدول وتقرير مصير الشعوب وهذا يدل على أن العالم يتغير وأن سياسة
القطب الواحد انتهت وولت والوقت الآن للتوازن العالمي ولحق الشعوب في تقرير
مصيرها.
مؤتمر جنيف كان مؤتمر المواجهة الدبلوماسية المدعومة
بالوقائع والإثباتات، كما كان مؤتمر إحراج الغرب وتعريته، وهذا الإحراج
ترجم لاحقاً في البيانات التي صدرت عن واشنطن ولندن وحاولتا تغيير واقع ما
حصل وتفسير المؤتمر كما يشاءان في حين أن الواقع يؤكد أن لا حل في سورية
إلا من قبل السوريين أنفسهم ولن يسمح لأحد بأن يتدخل في شؤونهم مهما بلغت
تطلعاته، وأخيراً فإن المؤتمر كان مؤتمر الفضيحة للعربان وجامعتهم، الذين
أتوا بكل أناقتهم وخلعوا عباءاتهم ليطالبوا فقط بتدمير سوريا وقتل شعبها
وفرض الحل الذي يريدونه هم بقوة الفصل السابع والتدخل العسكري الغربي..