الأزمة المرّكبة المعقدة التي تعيشها سورية اليوم، والتي تتشعب بمناح
واتجاهات متعددة اجتماعي وطبقي واقتصادي، موروثات ونزعات قبلية وعشائرية
وطائفية، تدخلات خارجية إقليمية ودولية، وغيرها من العوامل التي ركّبت هذه
الأزمة وجعلتها على هذه الدرجة من التعقيد والخطورة، هي في عمقها أزمة
داخلية سمحت لأخطر مؤثر، وهو المؤثر الخارجي، بأن يأخذ مداه، وأن يفتح شهية
القوى الإمبريالية والاستعمارية على التدخل، وباعتبار أن كل الضغوط
والمؤامرات السابقة لم تفلح في إزالة العقبة السورية أمام المشروع الأمريكي
الإسرائيلي في المنطقة. أما الآن فقد (نضجت الطبخة)، وأصبح الوضع الداخلي
أكثر ملاءمة، وما على العامل الخارجي إلا أن يستفيد من هذه الفرصة التي قد
لا تعوّض.
إن نزع الفتيل من صاعق الوضع المتفجر من داخلنا ومن حولنا، يكمن هنا
في الداخل، وذلك بسدّ المنافذ التي سمحت بالوصول إلى ما نحن عليه من تأزم،
وعلى رأسها تلبية المطالب الشعبية للحركات الاحتجاجية التي يجب، ويمكن،
الحيلولة دون استغلالها وتسخيرها لصالح مشاريع ظلامية أو عدمية تجردها عن
المحتوى الوطني والتقدمي والديمقراطي الذي يؤكد عليه كل الشعب.
قد يقول
قائل إن ما جرى كان سيجري مهما تم من تلبية للمطالب الشعبية، وإن
الاستعماريين القدامى والجدد يشحذون سكاكينهم لذبح سورية الدولة، سورية
الشعب والوطن، لأنها تمثل شوكة في خاصرة مشاريع الهيمنة، وهذا صحيح، ولكن
درجة وشدة وجدوى أي تدخل خارجي كانت ستكون أكثر عقماً لو أن الإصلاحات كانت
أبكر، وأعمق، وأكثر استجابة لعنصري المصداقية والزمن اللذين طالما أكد
عليهما حزبنا.. كما أكدت عليهما القوى الوطنية الشريفة على امتداد الوطن،
وكان آخرها مقترحات وتوصيات (اللقاء التشاوري) المنبثق عن هيئة الحوار
الوطني.
لقد تمت الاستجابة لعديد من المطالب الشعبية الديمقراطية، ولكن
قسماً كبيراً منها لم يتحقق بعد على أرض الواقع العملي، ومع إدراكنا أن
نشاط المجموعات المسلحة قد أدى إلى خلق حالة من الخلل الأمني يصعّب من
عملية تكوين المناخ الصحي اللازم لإتمام عملية الإصلاح، ومع تقديرنا لمقولة
أن الإصلاح السياسي يحتاج إلى استقرار أمني، لكن هذا الاستقرار الأمني
بحاجة ماسة أيضاً إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي، والحلول الأمنية وخاصة
ما يترافق معها من تجاوزات أمنية وإساءات كثيرة، تلعب أيضاً دوراً مهماً في
وضع العصي أمام عجلة هذا الإصلاح.
ونتيجة التفاعلات المعقدة للأزمة،
يتعرض الوطن كله الآن، وليس النظام وحده، إلى خطر التدخل العسكري، ويصبح
الدفاع عن الوطن الشعار الرئيسي، والسوريون بمختلف اتجاهاتهم الوطنية في
(الموالاة) أو المعارضة الوطنية، لن يتوانَوْا عن الدفاع عن وطنهم بكل ما
أوتوا من قوة وإمكانية، وستسقط كل المراهنات على الخارج ومعها مشاريع
الهيمنة.
لكن ذلك يفترض، بل ويتطلب، أن تأخذ عملية الإصلاح مداها وعمقها
المطلوبين، وفي المقدمة من ذلك
- الإسراع في التعديلات الدستورية،
وخاصة ما يتعلق منها بالمادة 8 من الدستور الحالي، أو تشريع دستور جديد
بالكامل، ليكون أساساً لكل القوانين الإصلاحية التي صدرت أو ستصدر، ويضمن
عدم احتكار السلطة من أي كان.
- الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين،
معتقلي الرأي، وخاصة الذين اعتقلوا على خلفية الأحداث ممن ثبتت براءتهم
وعدم تورطهم في أعمال منافية للقانون وفي تخريب الممتلكات العامة والخاصة.
-
إعادة النظر ببعض مواد القوانين التي صدرت، ومنها قانون الانتخابات وقانون
الأحزاب.
- متابعة الحوار مع القوى الوطنية المعارضة، واستمرار الخطوات
لعقد المؤتمر الوطني للحوار.
- ضمان سلمية ومشروعية التظاهر السلمي في
إطار القانون، والقبول بالمعارضة الوطنية غير المرتهنة للخارج، وبالرأي
والرأي الآخر الرافض للتخريب والاستفزاز.
- محاسبة مرتكبي الجرائم
والذين ارتكبوا تجاوزات تمس كرامات المواطنين، كائناً من كانوا، والخلاص
النهائي من أساليب التعذيب.
- البدء بحملة مكافحة الفساد واستعادة
الأموال التي نُهبت إلى خزينة الدولة.
- مراجعة النهج الاقتصادي
والاجتماعي الذي أوصل البلاد خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات خطرة من
الفقر والبطالة وتعطيل الطاقات الإنتاجية الوطنية، واستعادة دور الدولة
الريادي في عملية التنمية، والكف عن التقيد بنصائح المصرف الدولي، واستعادة
(الدعم) على أسعار السلع الاستهلاكية الشعبية.
- اتخاذ الإجراءات
السريعة لمواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على سورية دولُ الغرب
الاستعماري، على ألا تكون هذه الإجراءات على حساب الشعب.
بهذا نستطيع
إعادة بناء الوحدة الوطنية الداخلية، وتوفير عوامل الصمود أمام أي تدخل
خارجي ضد وطننا وشعبنا الذي نحب
.