لا نعتقد أن الإدارة الأمريكية وشركاءها معنية برحيل أو بقاء الرئيس بشار الأسد، لسبب واضح وبسيط، يستطيع أي عامل أو فلاح أو شاب سوري أن يشرحه لجهابذة التحليل والتحريم في الولايات المتحدة وأوربا، رغم معاناة هؤلاء المواطنين من ضيق الحريات الديمقراطية، والتسريح الكيفي.. وتحرير أسعار السماد.. وتقلّص فرص العمل
إن هذه المسألة تخص السوريين وحدهم، فهم المخولون بانتخاب رئيسهم.. وهم المخولون بحجب الثقة عنه.
ونتساءل هنا كيف سيفسر المواطن الأمريكي أو الأوربي تغاضي الحكومات الرأسمالية على جانبي الأطلسي عن معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة وأوربا، وتركيز اهتمامها على مطالبة هذا الرئيس أو ذاك بإصلاحات هادفة إلى الإعلاء من حقوق الإنسان في بلاده، في وقت تنال فيه الموازنات التقشفية التي وضعتها هذه الحكومات من جميع حقوق ومكتسبات المواطنين الأمريكيين والأوربيين ؟! ربما تكون انتفاضة (الفقر والبطالة والتهميش) التي اندلعت في لندن هي الجواب.
النفط السوري لن (يبور) في مستودعاتنا بعد العقوبات الأمريكية والأوربية، كذلك من المستبعد أن تؤدي العقوبات القديمة والجديدة إلى ترجيح كفة بعض المراهنين على استمرار التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية السورية، فقد اختبر الشعب السوري تدخلات خارجية عديدة خلال تاريخه الحديث، وكان في كل مرة تحاول فيها قوى الإمبريالية (تليين) العناد السوري إزاء مخططاتها الرامية إلى صناعة إقليم محاب للهيمنة الأمريكية- الصهيونية، يقف هذا الشعب صفاً واحداً في مواجهة هذا التدخل، بغض النظر عن اختلاف أطيافه السياسية والاجتماعية، وتباين مواقفها من النظام السياسي القائم في البلاد.
من يدقق في طبيعة العقوبات الجديدة التي قررتها الإدارة الأمريكية وشركاؤها الأوربيون، يتضح له أن المقصود بهذه العقوبات ليست القيادة السورية، ولا جهازها الأمني، ولا بعض الشخصيات المحسوبة عليها، بل الشعب السوري برمته. المقصود هنا لقمة الشعب السوري ودواؤه ومواده الأساسية التي يؤمنها تصدير النفط السوري، فكيف يسوغون الآن ادعاءاتهم التي يبثونها ليل نهار (بالدفاع) عن هذا الشعب؟ وما هو وجه الاختلاف بينهم وبين من أفتى بأن مجزرة ناطحتي السحاب في نيويورك كانت دفاعاً عن الإسلام؟!
واهم من يظن أن المحتجين على فقدان الديمقراطية، وتدهور الأوضاع المعيشية والاجتماعية، الذين ساروا في شوارع المدن السورية، وأولئك الذين تعرضوا لظلم بعض الأجهزة الأمنية، والآخرون الذين قُمِعوا بعنف غير مبرر، أن هؤلاء سيهللون لرفع مستوى العقوبات إلى عتبة التدخل المباشر. فمن طالب صادقاً بالديمقراطية في بلده، لن يستجدِ التدخلات الخارجية في شؤونها، ولن يقف مكتوف اليدين أمام من يلوِّح خلف الحدود بتصعيد عسكري، وربما سيقف خلف متراس واحد للدفاع عن أرضه وشعبه، إلى جانب مَن ركله في أحد الفروع الأمنية.. أو مَن خَوَّنه لمجرد مطالبته بغد لا تعلو فيه إرادة فـــــوق إرادة الشعب.. أو مَن تغاضى عن حل أزماته المعيشية.
قلنا في الماضي القريب، ونكرر اليوم إن الحفاظ على وحدة الوطن وتلاحم الشعب، يتطلبان سرعة التحول نحو سورية الجديدة، رغم أهمية ما أنجز حتى الآن.المطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى، العمل على تأسيس قاعدة (ثقة وحوار) بين الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد، بدءاً بإطلاق سراح الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة ممن لم يتورطوا بحمل السلاح وأعمال القتل. قاعدة تتمحور حول المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لجميع فئات الشعب، وتضع روزنامة واضحة لتحقيق هذه المطالب، بعيداً عن المصالح الضيقة لبعض من يحاولون عرقلة أي توجه إصلاحي حقيقي.إن تأسيس هذه القاعدة ليست مسؤولية السلطة وحدها، بل هي مسؤولية جميع من يعلنون في الداخل والخارج عن تمسكهم بالحل السياسي.. والحوار.. ورفض التدخل الأجنبي.
ونحن نرى أن التوصيات الثماني عشرة التي خرج بها المشاركون في اللقاء التشاوري، هي إحدى ركائز هذه القاعدة، دون التقليل من أهمية أي توصيات سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى يتوافق عليها ممثلو الأطياف السياسية والاجتماعية في البلاد عبر حوار ديمقراطي تعددي مسؤول، ينبغي أن يعقد في القريب العاجل.