يدرك السوريون اليوم أن الإصلاح السياسي الذي لاحت بعض معالمه في بلادهم، إنما يستجيب لضرورات سورية.. ويأتي تنفيذاً لمطالب شعبية مشروعة عبرت عنها منذ سنوات الأحزاب والنقابات وأطياف وطنية مختلفة، وبضمنها حزب البعث العربي الاشتراكي. فالإصلاح السياسي الذي أعلنته القيادة السياسية لا يأتي تنفيذاً لتهديدات هذه الدولة أو تلك، ولا خوفاً من عقوبات مَن صفقوا وقوفاً لنتنياهو في الكونغرس 27 مرة خلال أربعين دقيقة، بل تلبية لرغبة حقيقية لدى جماهيرنا ببعث سورية الديمقراطية، العلمانية. سورية التي تُعلي من شأن المواطن، وترتقي بأطياف المجتمع ومكوناته السياسية والدينية والإثنية، لتتيح لها كلها المشاركة في إنهاض البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والوقوف بوجه من يسعى لأخذها من الداخل، ومن يعمل على ترهيبها في الخارج، عن طريق إجراءات تخص بعض المسؤولين السوريين، أو قطع برامج المساعدة الفنية والقروض التنموية، أو التلويح أخيراً بتدخل مجلس الأمن الدولي على غرار الحالة الليبية.
لقد جاء الموقف الروسي الذي عبر عنه الرئيس ميدفيديف، ووزير الخارجية لافروف، واضعاً نقطة النهاية لجهود دبلوماسية حثيثة تقودها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بهدف تدويل الأحداث الداخلية التي تشهدها سورية، هذا الموقف أكد أنه (لا حاجة لفرض العقوبات على سورية، فالقيادة السورية تسعى إلى الإصلاح، ولا مبرر لطرح موضوع سورية في مجلس الأمن، والمهم حسب اعتقادنا تحقيق تحركات إيجابية في سورية في القريب العاجل).
نحن واثقون بأن عجلة الإصلاح السياسي بدأت بالدوران، لكن الإسراع في تنفيذ التشريعات التي صدرت، والإسراع في إصدار التشريعات الجديدة المتعلقة بقانون الأحزاب، والإعلام، ومكافحة الفساد، يظهر للجميع نية في متابعة عملية الإصلاح من جانب، ويعمق الفرز في صفوف المشاركين في التحركات، بين فئات ساعية إلى الإصلاح الحقيقي، وأخرى تسعى إلى تبنِّي الفوضى الشاملة تنفيذاً لمخططات مشبوهة من جانب آخر.
لقد تصدت الحكومة الجديدة لبعض هموم المواطن المعيشية والاجتماعية، كتخفيض سعر المازوت، ووضع مشروع لتشغيل خريجي الجامعات، واستلام محصول الشعير من المزارعين، والموافقة على تثبيت 100 ألف عامل مؤقت، وشكلت لجاناً عدة لاقتراح إصلاحات قضائية وإدارية.
لكن جماهير الشعب السوري تترقب في كل يوم خطوة ما، إجراء ما، ينهي فترة الانتظار التي تشهدها، بعد صدور المراسيم الهامة التي أسست لبداية إصلاح سياسي في البلاد، والتي رُفعت بموجبها حالة الطوارئ، وأُلغيت محكمة أمن الدولة، وسُمح بالتظاهر السلمي.
هذا الانتظار القلق يحتاج إلى تطمينات تؤكد استمرار عملية الإصلاح السياسي، وتقطع الطريق على المراهنين..والمحرضين، وتلعب دوراً حاسماً في عودة الحياة الطبيعية إلى ربوع وطننا بمدنه وأريافه وأحيائه.
نحن نرى أن التعجيل في إجراء الحوار الوطني الشامل المرتقب الإعلان عنه رسمياً، والذي يضم ممثلين عن الأحزاب الممثلة في الجبهة الوطنية التقدمية، وممثلي المعارضة الداخلية الوطنية، والشخصيات السياسية والفكرية والثقافية، ومكونات المجتمع السوري المختلفة، والعمل المخلص كي يتوصل المشاركون في هذا الحوار إلى أرضية مشتركة حول السياسات الإصلاحية ومستقبل البلاد، هي الخطوة التي يعوّل عليها شعبنا الآن لخلق حالة من الانفراج، وقطع الطريق على المتربصين في الداخل والخارج. وهي الخطوة التي يجب العمل عليها، وعدم تأخيرها في الظروف الراهنة، فهناك من يحرّض باستحالة تحقيق هذا الحوار، بل هناك من يعتقد بعدم جدية القيادة السياسية للبلاد في إجراء أي إصلاح سياسي حقيقي.
إن هذا الحوار سيفتح أفقاً جديداً أمام السوريين، جوهره نبذ سياسة التخوين، والاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية، وحق الاختلاف، واحترام الآخر.. ومحاورته، وبذل الجهد كي يصل الحوار إلى نهاية تضع مصالح الوطن والشعب فوق أي غاية حزبية أو سياسية أو فئوية.
إن التعجيل في عقد هذا الحوار الوطني، ومتابعة عملية الإصلاح السياسي بالسرعة المطلوبة، يؤسسسان لحالة وطنية جديدة، عنوانها الثقة بقدرة بلادنا على تجاوز الماضي، والتطلع إلى المستقبل الذي سيحمل الديمقراطية و الأمن والخير والرخاء لجميع السوريين.