حلب..
لا شك أن مهمة عناصر المرور ضمن شوارع المدينة لا تقتصر فقط على تسطير الضبوط يومياً بحق السيارات المخالفة، وإنما هي مهمة أخلاقية يتوجب على أساسها عدد كبير من المهام ، إلا أن عدد من عناصر مرور حلب لا زالوا حتى الآن يضربون عرض الحائط بتلك المهام الجليلة التي تعتبر من أولويات العمل الشرطي مشوهين بذلك سمعة بقية زملائهم ممن يشهد لهم بالكفاءة.
أول الأمثلة على ما ذكر كان موقفاً غريباً و فريداً من نوعه حدث في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الخميس 9/12 عند إشارات جامع الرحمن باتجاه مركز المدينة، كان بطله بامتياز شرطي المرور المسؤول عن تنظيم السير في تلك المنطقة المشهورة باكتظاظ السيارات ضمن شوارعها يومياً وخاصة في التوقيت المذكور، حيث أصم ذلك الشرطي آذانه عن صوت صفارة سيارة الإسعاف التي كانت تقل أحد المرضى باتجاه مشفى الرازي مفضلاً الالتزام باللون الأحمر الذي صبغ الإشارة فأوقف السير وسمح للسيارات المارة من الاتجاه الآخر بالعبور.
ولم تجد محاولات سائق سيارة الإسعاف لفتح الطريق أمامه عبر استخدام الميكروفون الخاص بسيارته نفعاً إذ استمر الشرطي الهمام بـ "التطنيش" في موقف أثار استهجان أصحاب السيارات في الصفوف الأمامية من الشارع والذين راحوا بدورهم يطلقون نفير سياراتهم التي قوبلت بالتجاهل أيضاً.
ولم يكتف الشرطي بتجاهل نفير السيارات وصياح السائقين لفسح الطريق أمام الإسعاف وإنما أطلق إيماءات وإشارات تطالب السائقين بالسكوت وعدم التدخل فيما لا يعنيهم واستمر الشرطي في موقفه على مبدأ "الجكارة" بالسائقين إلى ما قبل نحو 10 ثوان من ومض الضوء الأخضر ليسمح للسيارات بالمرور مفسحين المجال أمام سيارة الإسعاف علماً أن مدة الوقوف على الإشارة المذكورة تصل إلى 65 ثانية، وبالتالي فإن هذا الشرطي يكون قد اعترض طريق شخصاً ليس معروفاً مدى إصابته وخطورتها والتي من الممكن أن تشكّل فيها كل ثانية فرقاً كبيراً لإنقاذ حياته.
وبيّن أحد السائقين المحتجين لـ "شام برس" بأن أي عنصر من شرطة المرور يجب عليه في مثل تلك الحالات أن يفتح الطريق من أمام سيارة الإسعاف ولو كان ذلك على حساب أي تأخير أو عرقلة من الممكن حدوثها في الشوارع الأخرى، و أضاف: "كان من واجبه أيضاً أن يستقل دراجته المركونة ويسير أمام الإسعاف لإيصالها بأمان وسرعة إلى المشفى ولكن ماذا يسعنا أن نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل".
قصة أخرى حدثت منذ فترة قريبة تصدى لبطولتها بامتياز اثنين من عناصر مرور حلب حيث وقع حادث اصطدام صغير عند دوار الموت المدخل الجنوبي للمدينة بين سيارتين أحداهما عمومي والأخرى خاصة كان سببه خطأ جسيم ارتكبه الشرطي الأول بعد أن أوقف سيارة العمومي بشكل مفاجئ في منتصف الشارع بقفزه أمامها كي تتوقف لتسمح بمرور السيارات من الجهة الأخرى الأمر الذي أدى إلى اصطدام سيارة خاصة بالتاكسي من الخلف، وبعد أن ركن السائقين سيارتيهما على يمين الشارع وبدأوا ببحث جوانب الصلح بينهما وكلفة التصليح بهدوء وصل شرطي آخر على دراجته وطالب السائقين بأوراقهما وشرع بالاتصال بدورية التحقيق بنفسه وعندما أخبره السائقين بأن الحادث بسيط وليس هناك أي مشاكل وأنهما سيتصالحان أبى إلا أن يأخذ الأوراق ويتصل بالتحقيق إلا أن حنكة سائق السيارة الخاصة أنقذت الموقف بعد أن همس في إذن الشرطي بأنه لن يكون إلا راضياً في نهاية المطاف وحرصاً منه على ضمان "حقه" احتفظ الشرطي بأوراق السائقين وركن دراجته بعيداً عنهما في انتظار انتهاء عملية المصالحة.
وبالفعل فإن السائقين انتهيا من الصلح وتوجها إلى الشرطي مطالبين بأوراقهما إلا أن الشرطي رفض إعطائهما الأوراق لحين كتابة الجانبين على تعهد بالصلح وعدم الإدعاء لاحقاً، و بعد أخذ و رد بين السائقين والشرطي وافقا على كتابة التصريح ليخرج الشرطي على مضض الأوراق التي سيكتب عليها السائقين تصريحهما ليفاجآ بأن الأوراق كانت عبارة عن أوراق ترويجية لأحد أنواع "مساحيق الغسيل" الشهيرة و بحجم صغير!.
وأدرك سائق السيارة الخاصة مرة أخرى ما الذي يحصل فأخرج من جيبه 200 ليرة سورية دسها في يد الشرطي الذي أعاد أوراقه إلى علبة دراجته وشكر السائقين على "تهمهما" حامداً الله على السلامة وودعهم بحرارة و "حنان" كبيرين!.
و يجدر السؤال أليس من مهمة شرطي المرور تسيير وتسهيل أمور السائقين حرصاً على راحتهم وتجنيبهم لأي مشاكل عند وقوع الحوادث وخاصة الصغير منها أم أن التصعيد وحده وخلق المشاكل فيما بينهما هو الوسيلة الوحيدة لكسب أرزاق إضافية، وإن كان هذا الشرطي حريصاً على تطبيق الأنظمة وكتابة تعهّد بين السائقين عند صلحهما فأليس من الواجب إذاً أن يكون كل شرطي مؤهلاً بأوراق نظامية لكتابة مثل هذه التعهدات الرسمية أم أن إعلانات مساحيق الغسيل حلت محلها .. والحاجة أم الاختراع؟!.
وهنا لابد أن يذكر بأن هؤلاء العناصر المهملين من شرطة مرور حلب قد أفسدوا فعلاً الأعمال الكبيرة والهامة التي يقوم بها زملائهم لتسيير حركة المرور في مدينة حلب، حيث لا يمكن في حال من الأحوال تجاهل ما يقوم به الشرطي الشهير عبد الحميد "أبو محمد" في تخفيف الازدحام الشديد في منطقته العزيزية بصوته الجهوري دون أي كلل أو ملل، والدور الكبير الذي يقوم به الشرطي المثقف "أبو حسين" في منطقته السبع بحرات في مساعدة السياح على الوصول إلى مقاصدهم مستخدماً ثقافته ودرايته باللغة الانكليزية في ذلك.