لمحة تاريخية:
السويداء مدينة البازلت والتفاح والسنديان .. والقلوب البيضاء ، والسواعد القوية ، والنفوس الأبية التي لا تعرف الضعف والتردد ، المدينة التي عشقها التاريخ فكانت له معها جولات عظيمة خلّدتها آثار الأولين وعراقتهم وعطاءاتهم التي تركت بصماتها في صفحات المجد والكبرياء.
تقع السويداء على هضبة تشكلت عبر ثورات بركانية متعاقبة قدّر عمر آخرها ما بين /3500-4000/ سنة . تتسم بصخورها البازلتية التي طبعتها بطابع خاص ، يسودها مناخ متوسطي جبلي ، أصبحت مقصداً سياحياً هاماً خاصة في مناطق ظهر الجبل – الكفر – وغيرها ..
أعلى قمة في المحافظة تل / القينة / الذي يصل لأكثر من /1809متراً / عن سطح البحر ، تشتهر تلالها وسهولها بزراعة الكروم والتفاحيات والأشجار الحراجية ،
تبعد عن العاصمة دمشق مسافة /100كم/ جنوباً مساحتها /5550كم2/ تعتبر حسب معايير الأمم المتحدة متحفاً طبيعياً للتنوع الحيوي خاصة في منطقة ظهر الجبل التي تحوي أكبر مشروع تشجير مثمر على مستوى الشرق الأوسط .
وتلامس المحافظة شرقاً البادية السورية في منطقتي " الهبارية والأنباشي " التي سكنها الإنسان القديم ولا تزال آثاره ومغاوره حتى وقتنا الحاضر ..
وأقل ما يقال عن السويداء أنها واحة تمتلك كافة أشكال التنوع التي يبحث عنها كل سائح حيث تمتاز مساحة السويداء الصغيرة تلك بتنوع تضاريسها جغرافياً فتشرف على سهول حوران المنبسطة في الجزء الغربي منها وتتركز الجبال في وسطها حيث تشمخ قممها إلى ما يزيد على 1880 م فوق سطح البحر،
أما إذا يمم الناظر وجهه شمالاً والى الشمال الغربي فستدهشه تلك الصبات البركانية البازلتية التي رسمتها ريشة الطبيعة الخلابة فأطلق الإنسان عليها اسم (اللجاة) ربما لأنها تشكل ملجأ طبيعي يحمي البشر والكائنات الحية أيام الشدة يتخلل اللجاة طريق الحج الذي سلكته القوافل من الأناضول مروراً بدمشق إلى مكة المكرمة خلال مئات السنين
تفضي حدود المحافظة الشرقية في منطقة الهبارية والأنباشي اللتين سكنهما الإنسان القديم منذ الألف الرابع قبل الميلاد وترك آثار تحير الدارسين حتى الآن إلى البادية السورية وهي الجزء ذات الطابع الصحراوي من أرض المحافظة.
ووهبت الطبيعة مزيجاً فريداً من الطبيعة الخلابة والتنوع الحيوي للمحافظة حيث آلاف الدونمات من الأراضي الحراجية الكثيفة والمحميات الطبيعة والتي لم تمسها يد الإنسان منذ نشوئها حتى الآن فزخرت بأشجار البلوط والسنديان التي يزيد عمرها على 400 سنة وتعتبر أهم مصنع أوكسجين في العالم وحافظة على أكثر من 900 نوع حيوي من النباتات والحيونات البرية، و ,احتضن السكان هذا المتحف البيئي بمشاريع الكروم والتفاحيات حيث تعتبر منطقة ظهر الجبل أكبر مشروع تشجير مثمر في الشرق الأوسط ويصدر أفخر الأصناف ذات المواصفات العالمية.
ولقد استطاعت مسيرة الحضارة أن تكمل ذلك التنوع الجغرافي والتنوع البيئي بتنوع تاريخي مميز امتد من العصر البرونزي الوسيط ‘الى النبطي إلى اليوناني إلى الروماني فالغساني البيزنطي فالعربي الإسلامي وكانت المنطقة قد سكنت قبل ذلك من قبل الأمويين والآراميين مما جعلها اليوم تزخر بآثار تلك المراحل وأوابدها حيث لا تزال روما الصغرى ( شهبا ) فيليبوبوليس كما سماها الإمبراطور فيليب العربي شاهدة على عاصمة الإمبراطور الرومانية والتي بنيت من عام 245-249 وخلال خمس سنوات بشكل يشابه روما بكل مكوناتها من المسارح والحمامات والقصور المزينة بأجمل لوحات الفسيفساء والباقية حتى الآن مكانها الأصلي ليكون الاحتفال بالألفية الأولى للإمبراطورية الرومانية في شهبا،
وبالانتقال إلى قنوات ( كاناثا ) والتي كانت أحد المدن الرومانية العشر
( ديكابوليس ) وباتت مركزاً أسقفياً هاماً ومركزاً للحج المسيحي في القرن السابع الميلادي، وتنفرد السويداء بأنها تحتوي خمسة مدرجات رومانية تأكيداً لعصور من الرخاء الترف الثقافي والفني تجذرت عليها
تتمتع المحافظة بغنى في العادات والتقاليد النابعة من وجدان الكرم والإباء العربي حيث أبدع سكانها الكثير من الصناعات اليدوية الجميلة وأهمها صناعة السجاد والبسط والمطرزات والقش والأطباق والصناديق المزخرفة وكذلك الأزياء المطرزة الغنية بالألوان وبمظاهر الفرح حيث تفتخر السويداء بالمحافظة عليها كما تحافظ على الكثير من القرى والبيوت القديمة ذات الطراز المعماري والتي تعبر بوضوح عن هوية وعراقة الأجداد
ونتيجة الاغتراب وحميمة العلاقات الاجتماعية والترابط العائلي يتميز السكان بثقافة جيدة وانفتاح على مظاهر الحياة الحضارية.
المواقع الأثرية في مدينة السويداء
التلة أو المدينة العليا (الأكربول):
سكنت التلة منذ أقدم العصور وتعود الأبنية فيها إلى فترات زمنية مختلفة بدءاً من عصري البرونز والحديد وحتى يومنا هذا وقد اعتلى بعضها بعضاً فكانت القديمة منها أساساً لأبنية الحقبة التالية لذلك يعطى النسيج العمراني التقليدي الحالي صورة محتملة لما كانت عليها السويداء في سالف العصور التلة أو االمجينة العليا (الأكربول)
معبد الإله ( ذو الشراة )
وهو معبد نبطي يعود إلى نهاية القرن الأول قبل الميلاد بداية القرن الأول للميلاد ويقع في الحي الشرقي كرس لعبادة الإله ذي الشراة. لم يبقى منه حالياً إلا ثلاثة أعمدة وساكف وبعض العناصر الزخرفية التي استعملت في غير مكانها معبد الإله (ذو الشراة)
معبد آلهة المياه
تظهر مجموعة أعمدة أثرية تقع إلى الشرق من قوس ما يسميه الناس اليوم المشنقة وهي أعمدة يرجح أنها كانت تحمل قنوات المياه إلى معبد المياه غرباً وقد بدأ الكشف على المعبد والأعمدة منذ عام 1994 معبد آلهة المياه
المسرح الكبير
يعود إلى نهاية القرن الثاني الميلادي وهو حسب المخطط المعاد تصوره بحجم مسرح بصرى وقد بقيت مدرجاته تحت الشارع المحوري الذي يخترق المدينة من شمالها إلى جنوبها أما كواليسه فهي باقية وظاهرة للعيان على جانبي الشارع.
المسرح الصغير:
يعود إلى القرن الثاني الميلادي و قد تم الكشف عن مدرجاته السبع إلى الغرب من الكنيسة الكبرى و مازال العمل مستمراً لكشف معالمه الباقية و هذا المسرح ( الأوديون) على علاقة وثيقة بالساحة الأمامية للكنيسة الكبرى، و بالمسرح الكبير و لعلّه استخدم كقاعة اجتماعات فقد حملت مقاعده رموزاً يونانية.
الكنيسة الكبرى
يعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس الميلادي و يحمل أحد جدران مدخلها كتابة يونانية تفيد أن سالومي والدة الأسقف جورج تبرعت ببناء هذه الكنيسة. يظهر ما انكشف من أرضية مدخلها وجود لوحة فسيفساء ملوّنة ضخمة ذات نقوش هندسية يختفي جزؤها الغربي داخل المنازل
الكنيسة الصغرى
و ترجع إلى القرن الخامس للميلاد بقي منها قوس يتوسط – الآن – الشارع المحوري و قنطرة المحراب
مدينة شـهبا
تبعد شهبا عن دمشق /90/ كيلو متراً إلى الجنوب و قد سكنها إنسان العصر الحجري الحديث و استقر حول التلال المحيطة بها و بدأت الموجات المهاجرة من شبه الجزيرة العربية بالمرور بها و الاستقرار فيها منذ الألف الثالث قبل الميلاد ثم أصبحت حاضرة صغيرة للعرب الأنباط في القرن الأول قبل الميلاد.
لكنها ازدهرت عندما اعتلى الإمبراطور العربي السوري فيليب العربي عرش روما (244-249) م فبناها وفق مخطط أنموذجي روماني بكل ما يعنيه ذلك من القصور و المعابد و الحمامات و المسرح يتوسطها على الطريقة الرمانية شارعان كبيران متعامدان ( كاردو) و ( دوكيمانوس ) يلتقيان في الوسط في ساحة بيضوية الشكل.
و قد أحيطت المدينة بسور دفاعي مزوّد بعدة أبراج و أ{بع بوابات رئيسية تعلوها أقواس نصر، في جهات المدينة الأربع. سميت المدينة في العصر الروماني " فيليبوبوليس" تكريماً لبانيها. أما أهم آثار المدينة التي مازالت شاهدة على عظمة فيليب العربي فهي:
المعبد الوثني:
يقع هذا المعبد على الضفة الشمالية من الطريق المتجه شرق غرب أل ( دوكيمانوس ) إلى الغرب من التترابيل بحوالي ( 50 ) متراً بقي من أعمدة واجهته الستة أربعة فقط من الطراز الكورنثي
المعبد الإمبراطوري
يقع إلى الجنوب الغربي من أل(دوكيمانوس) تمتد أمامه ساحة واسعة مبلطة له منصتان أمام الواجهة تنتهيان بدرج كبير و تحت الساحة شبكة من الأنفاق تنتهي إلى الواجهة.
مقبرة أسرة الإمبراطور (فيليبيون):
وهي مقبرة ملكية محاذية لساحة المعبد الإمبراطوري من الجنوب و تشكل معه وحدة معمارية متكاملة تنفتح واجهة المقبرة باتجاه نهاية ساحة المعبد كانت فيما مضى مكونة من طابقين و حوامل نافرة نقش فوقها اسم والد الإمبراطور المؤله مارينوس باللغة اليونانية
المسرح:
يقع جنوب فيليبيون مباشرة و كان فيما مضى مكونا من طابقين من المدرجات يتسع ل(1200) متفرج تقريبا و يعتبر من النماذج الجميلة للمسارح الصغيرة في سوريا يبلغ قطره حوالي (43) مترا.
الحمامات الكبرى
و هي أكبر الحمامات المعروفة في القرن الثالث للميلاد وتقع إلى الشرق من الطريق الأعظمي (كاردو) تنتصب إلى الجنوب منها قواعد حجرية ضخمة (أكوادوك) حملت فيما مضى أقنية المياه من منطقة تدعى (الطيبة) و تبعد ستة عشر كيلو مترا إلى الشرق من المدينة تتألف الحمامات من ثلاثة أقسام وفق درجة حرارة المياه فيها: البارد_ الفاتر_ الحار. و تضم أيضا صالات ألعاب وباحات محاطة بأعمدة و صالات مطالعة و مكتبة و صالات للتمارين الرياضية و التسلية و غيرها.و تستوعب تلك الحمامات خمسمائة مستحم.
التحصينات و بوابات المدينة:
ما تزال بقاياها ماثلة للعيان و لا سيما قرب البوابات و كان السور السميك يحمل قنوات المياه العذبة إلى مختلف أنحاء المدينة.
البوابة الجنوبية
دارة شهبا:
أي القصر و قد أصبحت اليوم متحفا لأجمل لوحات الفسيفساء التي تركت في مكانها الأصلي و شيد المتحف حولها من تلك اللوحات: لوحة "تالاسا" ربة البحر و لوحة الفصول الأربعة و لوحة "أورفيوس" عازف القيثارة و لوحة "ولادة فينوس" ربة الجمال عند الرومان. و غيرها.