لمحة جغرافية:
تقع مدينة حماةوسط سوريا, وترتفع عن سطح البحر بحوالي 330م,يتميز موقعها الجغرافي ووجود نهر العاصي داخلها وحولها بخصوبة تربتها للزراعة, وقربها من البادية السوريةيعطيهامركزا تجاريا هاما في سوريا , يدخلها نهر العاصي جنوبا من الرستن ويتجه شمالا وغربا قليلا ومن داخلها وحولها ,وبضفافه تنتشر البساتين والخضرة والأشجار المثمرة ذات الشهرة الدولية وأهمها المشمش الحموي.
لمحة تاريخية عن حضارتها:
تعد حماة وحوض نهر العاصي من المناطق التي سكنها البشر منذ ما يقارب من(600) ألف سنةخلت.وهي من أوائل منابت الحضارات البشرية.
أما مدينة حماة نفسها فقد بدأ السكن فيها أول الأمر في قلعتها , وقربها على مرتفع البرناوي يوجد كهوف وهي بيوت سكنت منذ زمن بعيد جدا بعصر الإنسان الحجري.
ثم أخذ السكان يهبطون, ويسكنون قرب نهر العاصي في حي المدينة, وحي باب الجسرالقريبين ثم انتشر العمران وامتد إلى أنحاء أخرى.
توالت على حماة حروب كثيرة وجرت على أراضيها معارك طاحنة , وتعرضت في مسيرة تاريخها الطويل إلى كوارث سببتها الطبيعة الثائرة.
ويمكن القول: إن العصرين الذهبيين لحماة القديمة هما:
العصر الآرامي والعصر الأيوبي
فالآراميون قد طوروا الزراعة, بالإضافةإلى أن لغتهم قد أصبحت لغة الوثائق والعلوم خلال فترة طويلة من الزمن.
أما في العهد الأيوبي, فقد تقدمت حماة وازدهرت في مختلف المجالات.
تعاقب الحضارات:
حكمت حماة من قبل السومريين ( 3000-2400 ق م )ثم الآكاديين (2400-2350)ق م. ثم العموريين(2250-1900)ق م ثم الحوريين
ثم الآشوريين ثم الكلدانيين( دولة بابل الحديثة),ثم زحف فرعون مصر نحو (612-596) ق م وأثناء ضعف الآشوريين على يد الكلدانيين استولى فرعون مصر على كل سوريا ومن ضمنها حماة عام(607 ق م) وبعد ثلاث سنوات استردها الملك الكلداني نبو بلاسر وخلفه ابنه نبوخذ نصر (604 ق م )وولى عليها حاكما آراميا.
وقد أبدع الآراميون بالزراعة وحفر الأقنية للري وكان لهم شأن عظيم وحضارة تتصل بالفينيقيين في الساحل السوري.وعرفوا منهم الأبجدية الأولى في العالم والتي كشفت برأس شمرا شمال اللاذقية ب20كم.وهي اللغة الأم لمعظم الكتابات في الشرق والغرب.
ثم اجتاحها الاسكندر المقدوني(334 ق م)مع كل سوريا ثم حكمها السلوقيون وبنى ملكهم مدينة أفاميا وسماها باسم زوجته الفارسية أباما.
ثم حكمها الرومان (83 ق م), وبنوا الجسور على العاصي, واشتهروا بأقنية الري والزراعة واستخدام النواعير( الدواليب الخشبية الكبيرة التي ترفع المياه من النهر إلى الأعلى وتعمل بقوة تدفق المياه ودفعه لأجنحة ودروج خشبية تملأ بالمياه وترتفع لتصب عاليا ,وعددها حاليا125 ناعورة) وتصب بالأقنية للري.وطور الرومان نظام الري وشقوا الأقنية,وبنوا المعابد ووجد قطع نقدية عليها صور الامبراطور الروماني ووجدت لوحات من الفسيفساء كبيرة عليها رسوم رائعة الجمال منها ولادة هرقل.
عهد الفتح الإسلامي:
فتحها الصحابي القدير أبو عبيدةبن الجراح رضي الله عنه, عام (17 هجري 638م )وفرح أهلها بالجيوش الإسلا مية التي حررت الشعوب المضطهدة بسوريامن ظلم الرومان. وبدأعهد جديد من التسامح الديني
ثم تعاقب عليها العباسيون وفي عام 750م حكمت من قبل الدولةالفاطمية,وثم الدولة الحمدانية ومركزها حلب بقيادة سيف الدولة الحمداني,ومر بها المتنبي ووصفها بشعره,ثم حكمها المرداسيون وفي أواخر القرن الخامس الهجري اجتاحها القرامطة وجاثوا فيها خرابا وفساداوقتلا ونهبا وسلبا,
ثم حكمها الخوارزميون والتركمان وتبرز في هذه الفترة قبائل عربية كثيرة أبرزها: كلب-كلاب-تغلب-نمير-عقيل-عوف-اسد-قشير-شيبان-تنوخ-خفاجة.
ثم حكمها السلاجقة عام 1071م وتعرضت للهجوم الصليبي(491هجري-1096م) واستولوا على قلعة شيزر غرب حماةب60كم حيث كان بنو منقذ يحكمونها ومنهم اشتهر الأمير أسامة بن منقذ الفارس العربي المسلم والأمير البطل والشاعر والمؤرخ وصديق صلاح الدين الأيوبي, وقد تم تحريرها من قبل نور الدين محمود الزنكي, حسن الذكر رحمه الله,بعد حروب طاحنة ,وطرد الصليبيين منهاعام 1144م. وأعقبه ابنه محمودالذي أعاد ترميم أسوارها, وإصلاح قلعتها بعد الزلزال الكبير.وبنى جامع ومشفى النوري,
ثم حكمها الأيوبيون من قبل أسرة أخ صلاح الدين الأيوبي البطل وأولادأخيه المظفر تقي الدين عمر ثم الأسرة التقويةوتقي الدين عمر كان ركنا للدولة الأيوبية, فقد منحه السلطان صلاح الدين بالإضافة لحماة الاسكندرية ودمياط والبحيرة والفيوم.واشتهر تقي الدين عمر بكرهه وحقده على أعداء الإسلام الصليبيين, وقاتلهم كل أفراد أسرته من بعده.
ثم الهجوم التتري657هجري بقيادة هولاكو لعنه الله,الذي اجتاحها رغم صد الملك المنصور.
ثم حكمهاالملك أبو الفداءآخر ملوك الدولة الأيوبيةولقب بالسلطان عام 719هجري,كان عالما فذا وذكيا وفلكياوشاعرا ومؤرخا وفيلسوفا ويحب العمران , وكانت علاقته مع السلطان قلاوون سلطان المماليك بمصر,ممتازة ووثق منه قلاوون , فاستمر عهده وأطال من عمر الدولة الأيوبية في الشام بفطنته وحنكته, وتتالت دولته بحكم أبنائه من بعده. حتى هجوم تيمور لينك الأعرج المغولي عام 803هجري 1401م. وشارك جيش حماة بمعركة عين جالوت.ثم حصلت زلازل مدمرة طالت حماة وشيزر وأرواد ثم وباء الطاعون.
وسكنها أقوام وأجناس, منهم الترك والكرد والسودانيون والجراجمة وحكمها المماليك حتى فتح السلطان سليم العثماني للشام داخلا من الشمال بعد معركة مرج دابق قرب حلب وموت آخر سلاطين المماليك قانصوه الغوري عام 1516م.وخرج أهالي حماة لاستقبال الجيش العثماني فرحين من الخلاص من ظلم المماليك بآخر عهدهم, لكنهم كانوا يعلمون أنه حكم أجنبي استبدل بحكم أجنبي.
دخل الجيش العربي سوريا فاتحا بقيادة الشريف حسين شريف مكة وكان حسن الذكر, فهلل له العرب ببلاد الشام, وزغردت النسوة,وبرز الأدباء والشعراء, مرحبين به, وحكم الشام ابنه الملك فيصل بدءا من عام 1918م- وعام 1919م.
قول الرحالة والشعراء بحماة:
ملك حماة أبو الفداء يقول عنها بكتابه(المختصر في أخبار البشر)
(ليس بالممالك الشامية بعد دمشق لها نظير )
قال محمد كرد علي مؤسس مجمع اللغة العربية رحمه الله لأحمد شوقي الشاعر المعروف أثناء زيارتهما لحماة عام 1938م:
(إن نصف حماة شعراء), وبعد أن جلس الإثنان خلالها قال له شوقي(العجيب أن لا يكون النصف الآخر من أهل حماة شعراء)
ويقول الشيخ المؤرخ عبد الغني النابلسي واصفا لحماة وعاصيها:
ألا أيهـ السـاري بعــزم وهمــــــة .............. لنحو حماة زرت في غاية الأجر
فليست حماة في الورى غير جنة .............. ألم تنظر الأنهار من تحتها تجري
وقال أيضا:
إن حماة بلدة شريفـة....................... ريح الصبا بها طاب مَهِبُّــه
من جاءها صادف فيها .....................ما اشتهىوإنما حماته تحبه
ويقول الصافي النجفي:
هذي حماة مدينة سحريـــــة .................... وأنا امرؤ بجمالها مسحور
ياليت شعري ما أقول بوصفها .................... وحماة شعر كلها وشعور
...........................