بعد جملة من الاستهدافات المركزة التي تعرضت إليها الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، وحملات التضييق والتمييز ضدهم. جاء القس تيري جونز راعي كنيسة " دوف وورلد اوتريش" في غاينسفيل بفلوريدا ليعلن أن كنيسته تخطط لإحياء نسخ من القرآن الكريم على باب الكنيسة في ذكرى هجمات الحادي عشر من أيلول التي تعرضت لها الولايات المتحدة عام 2001.
دعوة جونز لاقت الكثير من الاحتجاجات والتحذيرات من أوساط عديدة، باعتبارها تمس أهم المقدسات بالنسبة للمسلمين الذين يبلغ عددهم ما يقارب مليار ونصف المليار منتشرون في شتى أصقاع المعمورة.
نأت الإدارة الأمريكية بنفسها بداية عن أي تصريح يستهجن أو أي عمل يردع القس جونز، حتى خرج الجنرال بتريوس ليتكم بواقعيته المعودة عن التداعيات التي من المحتمل أن تتركها تلك الأفعال والتصرفات غير المحسوبة.
اعتبر بتريوس أن إصرار كنيسة جونز على إحراق القران الكريم ستؤدي إلى تصاعد العنف وتهدد حياة جنوده. بيد أن بتريوس لم ينظر إلى تلك القضية إلا في إطار حسابات الربح والخسارة حيث رأى النصف المليء من الكأس، متجاهلاً مدى الانعكاسات التي ستكرسها هذه الخطوة في وجدان المسلمين في الولايات المتحدة خاصة وفي العالم عموماً.
إن هذه الخطوة لن تؤدي إلى فشل إستراتيجية أوباما وقادته العسكريين الذين يربطون بين المصالحة مع العالم الإسلامي ويعتبرونها المدخل للولوج إلى ساحات الصراع الأخرى. بل قد تسهم في إعادة العالم إلى أدبيات العقد الأخير من القرن الماضي بعد أن انتشرت الكتابات وأهمها صراع الحضارات لصومائيل هنتنغتون ونهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما والتي أشعلت الصراع في العالم على أساس ثقافي وديني يغلب عليه طابع التقسيم والتميز وإطلاق الأحكام المسبقة على حضارات تعاقبت على تاريخ الإنسانية وتأطيرها في قوالب جامدة غير قابلة للتطور وفق رؤيتهم، وتشكل عاملاً مضادا لانتشار مفاهيم الليبرالية الجديدة وقيم الغرب الحضارية.
تدلل المعطيات وفق العديد من المصادر الأمريكية بأن المسلمين الولايات المتحدة بذل جهدا دؤوب لمحاولة الاندماج في المجتمع الأمريكي على أساس الفصل بين الدين الإسلامي بتعاليمه السمجاء وبين أفكار التطرف والإرهاب التي ترفضها كل الديانات السماوية مجتمعة. وحسب هذه المصادر فإن النتائج كانت هزيلة مقارنة بالجهد المبذول، إذ تدلل الوقائع أن الأقلية الإسلامية في الولايات المتحدة ما تزال تعاني من التمييز على خلفية انتماءهم الديني فقط. وتأتي دعوة القس جونز بمثابة مواجهة التطرف بالتطرف، وهدم الجهود التي تبذل من قبل العديد من المفكرين ورجال الأديان لإزكاء فكرة حوار الحضارات لا صدامها.