لا يعرف الحريق قيمة الأخضر، وهو لا يفرّق بين الأخضر واليابس، ولكنّ
يتكفّل حريق غابة بعيون (30كم غرب مدينة حمص) بإضافة دليل جديد إلى سجل
التخطيط المرتبط بحماية الغابة، وبما يثبت أنّ جهات معنية بحماية الحراج
تتقاطع مع الحريق بعدم معرفتها قيمة (الأخضر) ونعمة الحراج، لذلك تجيد
الحديث عن حماية الغابة والحراج ولا تجيد تأمين مستلزمات الحماية؟!.
وطبعاً إحدى أهم المستلزمات هي الحماية من الحريق، وبالتالي تسهيل مهمّة
الإطفاء، ولكن إنّ وصول أقرب سيارة إطفاء إلى غابة بعيون يتطلب حوالى
الساعة؟! أي كلّما (تكرّم) الحريق بهدوئه وتثاقل بحركته وانتظر وصول
الإطفاء كلّما كانت الخسارة أقل، أمّا في حال لم ينتظر الحريق وصول الإطفاء
فيحرق أكبر كمية من الأخضر واليابس؟!. وفي نموذج غابة بعيون فشلت الحماية
لأنّ الحريق غافل (حماة الحراج) وقضى على معظم الغابة ظهر الأربعاء الماضي
متلقياً المساعدة من رياح قوية وسريعة، بما أحدث خسارة بيئية جسيمة في
المنطقة.
قضاء على الغابة
تحوّلت الحراج الطبيعية الممتدة في أراضي قريتي المشيرفة وبعيون إلى
رماد، وكان من يقف في أعلى التلّة أو قرب أحد المزارات في الموقع قبل
الحريق يعاين رهبة المكان وجماله حيث الخضرة تحيط في الموقع وتحاذي الحدود
اللبنانية مترافقة بتعرجات مجرى ما يسمّى (نهر الصفا) حسب الاسم الشعبي
الذي يطلقه أهالي المنطقة على النهر، وهو نهر يفصل في تلك المنطقة بين
الحدود اللبنانية والحدود السورية، ويمكن للواقف في أعلى المكان توثيق
دائرة نظر كان لها سحرها حيث تتكثّف الغابة الطبيعية في الجانب السوري،
ويقابلها بلدة الهيشة اللبنانية ومنطقة وادي خالد اللبنانية سيجد الواقف في
أعلى التلّ من الجانب السوري الجبال اللبنانية المقابلة المرتفعة مع وجود
فسحة على أطراف الموقع تدهورت حراجها ولكنّها تقود النظر إلى الأسفل حيث
سرير النهر وموقع يسمّى (الشيبية)، تنبسط فيه مياه النهر قليلاً وتخف وعورة
مجراه، وكان يشتهر ذلك الموقع بنبع غزير يتفجّر من جوار النهر ثمّ يختلط
بمياهه قبيل أن (تنسفه) جرّافات المهربين لتجعله معبراً غير نظامي للتهريب
وبالاتجاهين خلال السنوات السابقة..
ولكن المنظر بعد الحريق بقي ذاته في معظم معالمه سوى الغابة التي اندثر
معظمها وتجعل المكان برهبة جنائزية وقد تلبّس بحلة سوداء من توقيع حريق!
تبرز المفارقة هنا بوجود مياه نهر يمكن تصنيفه بأنّه مقبول الغزارة ولا
ينضب، بجوار غابة تحترق، ومع أنّ مياه النهر يمكنها إطفاء الحريق ولكن لم
يحدث ذلك لأنّه ما من تخطيط لاستثمار تلك المياه بإطفاء الحرائق التي تتكرر
في المنطقة عند الضرورة؟
الفاعل مجهول؟
وكما هي العادة في كلّ حريق تعرّضت له حراج بعيون والمشيرفة فإنّ الفاعل
مجهول وسبب الحريق مجهول، ولكنّ الشيء الذي لا يمكن تسجيله ضمن المجهول في
الحريق الأخير هو أنّ معظم الغاية تفحّمت، وتسببت الرياح السريعة بامتداد
سريع للنيران في عقارات الحراج وفي عقارات الأهالي الزراعية، وحسب أهالي
القرية فإنّه إضافة إلى احتراق معظم (الحرش) فإنّ أكثر من ستمئة شجرة زيتون
للأهالي احترقت أيضاً، ولم توفّر النيران الشجيرات الصغيرة ولا الشجيرات
الكبيرة ولا حيوانات الغابة، حيث بعض الأشجار المعمرة والتي ارتبطت بذاكرة
الأهالي وشكلت عبر السنين أحد معالم الموقع أصبحت قضباناً سوداء؟! كما شاهد
البعض جثث ضباع صغيرة وبعض الطيور الصغيرة التي لم يمكنها الهروب من
الحريق..، وتكفّل الدخان الكثيف بنفوق قسم من طيور مدجنة تقع شرقي موقع
الحريق.