السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال
السلام عليكم.
قرأت دعاءً عن النبي -صلى الله عليه
وسلم- أورده ابن القيم في كتاب الصبر وشكر النعمة، وفيه ما معناه: "اللهم
أسألك الصبر في شأني كله، وأن تجعلني على الصراط المستقيم"، أرجو ذكر مصدر
هذا الدعاء.
صديق لي يقول: إننا لا ينبغي أن
نسأل الله الصبر؛ لأن ذلك يعني أننا نسأله تعالى أن يبتلينا، فهل هذا
صحيح؟ لكن هناك نصوصاً في القرآن الكريم تحث على الصبر. كما ورد في قصة
النبي داود -عليه السلام- في سورة البقرة (الآية 250)، وطلب السحرة من
الله أن يفرغ عليهم الصبر على فرعون في سورة الأعراف (آية رقم 126). أرجو
توضيح المسألة.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان ويقين، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أهلاً بك ـ أخي الكريم ـ على صفحات موقع "الإسلام اليوم" ونأمل أن يكون الموقع وما يقدم فيه عند حسن ظنك إن شاء الله تعالى..
وأما عن الدعاء الذي ذكرت أن الإمام
ابن القيم ـ رحمه الله ـ أورده في كتاب الصبر وشكر النعمة ، ولعلك تقصد
كتابه (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) ؛ فلم نعثر على دعاء بهذا النص
الوارد في سؤالك وهو (اللهم أسألك الصبر في شأني كله وأن تجعلني على
الصراط المستقيم). وأما قول صديقك (إننا لا ينبغي أن نسأل الله الصبر؛ لأن
ذلك يعني أننا نسأله البلاء" فهذا الكلام لـه وجه من الصحة، فالأصل أن
يسأل المرء ربه العفو والعافية في الدنيا والآخرة . فعن أبي بكر الصديق ـ
رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول:"سلوا الله
اليقين والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من العافية" أخرجه أحمد
(5 ) و(17)، والنسائي في الكبرى (10717)، وابن ماجة (3849) وهو حديث صحيح،
وفي ضعيف الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو يقول: اللهم
إني أسألك تمام النعمة فقال: أي شيء تمام النعمة؟ . قال: دعوة دعوت بها
أرجو بها الخير، قال: فإن من تمام النعمة دخول الجنة، والفوز من النار .
وسمع رجلاً وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسل.
وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو يقول :اللهم إني أسألك الصبر .
قال: سألت الله البلاء، فاسأله العافية" ضعيف الألباني ـ الترمذي
برقم(706).
وجاء في (زاد المعاد) لابن القيم.
قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: عن أبي الدرداء، قلت: يا رسول الله، لأن
أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ورسول الله يحب معك العافية". أما ما ورد في سؤالك ـ أخي الكريم ـ
من شبهة تعارض بين ما سبق من أحاديث بطلب العافية، وما ورد في القرآن
الكريم من الدعاء بالصبر، مثل قوله تعالى في الآية (250) من سورة البقرة
وهو قوله تعالى حكاية عن قصة داود مع جالوت "ولما برزوا لجالوت وجنوده
قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"،
وكذلك قوله تعالى في الآية (126) من سورة الأعراف حكاية عن قول سحرة فرعون
بعد إيمانهم "وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ
علينا صبرا وتوفنا مسلمين"، فما جاء في هاتين الآيتين الكريمتين من دعاء
وطلب للصبر هو عند لقاء العدو واحتدام البلاء ، وقد جاء في الحديث الصحيح:
"لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا،
واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" متفق عليه، أخرجه البخاري (2819)،
ومسلم (1742) من حديث عبد الله بن أبى أوفى.
وحين وقوع البلاء فعلى المسلم أن
يصبر ويرضى بقدر الله –تعالى- ولا يجزع لما أصابه؛ ففي مسند الإمام أحمد
(23129)، والترمذي (2396)، من حديث محمود بن لبيد يرفعه: "إن الله إذا أحب
قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". زاد أحمد: "ومن
جزع فله الجزع". قال أبو الدرداء-رضي الله عنه- : إن الله إذا قضى قضاء،
أحب أن يرضى به"، وكان عمران بن حصين-رضي الله عنهما- يقول في علَّته:
أَحبَُه إليّ أحبه إليه، وكذلك قال أبو العالية.
وقال الحسن: دخلنا على عمران بن
الحصين –رضي الله عنهما- فقال رجل: لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع،
فقال عمران يا أخي لا تفعل، فو الله إني لأحب الوجع ومن أحبه كان أحب
الناس إلى الله. قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو
عن كثير" [الشورى: 30]، فهذا مما كسبت يدي، وعفو ربي عما بقي أكثر". وهذا
وأمثاله هو من أدب الصالحين إذا نزل بهم البلاء، لا قبل وقوعه.
كما أنه على المعافى إن رأى مبتلى
أن يحمد الله على المعافاة ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال:"ما من رجل رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به،
وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً إلا لم يصبه ذلك البلاء كائناً ما كان"
أخرجه الترمذي (3428 ) في الدعوات من حديث أبي هريرة وحسنه. على أن هناك
أنواعاً من الصبر يحتاجها المسلم ويحمل عليها الدعاء به، وهي الصبر على
طاعة الله، والصبر عن معاصي الله، فهذه لا بد منها؛ لتحقيق العبودية لله
–عز وجل-، كما قال عز وجل: "واستعينوا بالصبر والصلاة" [البقرة: 45].
هذا .. وأسأل الله لنا ولك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.