[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أيام الانفصال التي مرت على سوريا ، كانت مريرة بكل ماتحمله الكلمة من معنى ، فالوحدة الحلم التي كانت تعشش في اذهان الناس قد تم اغتيالها ، وشعارات الوحدة التي كانت تقول بان الوحدة السورية المصرية هي النواة للوحدة العربية الشاملة من المحيط الى الخليج ،فجأة تم استبدالها بالدعوات الانفصالية التي تهاجم الوحدة ، وتدعو الى الدفاع عن الاقليم 0وتضيق الخناق على المدافعين عن الوحدة وتلاحقهم وتضعهم في المعتقلات 0
الاستاذ صالح ،وهو مربي قديم، كان احد هؤلاء الذين وقفوا ضد عهد الانفصال ، وأحد أولئك الذين تم اعتقالهم مرات عديدة، لالشيء سوى لأن حلمه في استمرار الوحدة بقي يقظا في وجدانه0
في المرة الأولى لإعتقاله جاءه رجلان من المكتب الثاني وطلبا اليه مرافقتهم لمقابلة رئيس المكتب الذي يدعوه الى فنجان من القهوة ، ولم يتركوا له مجالا لاستبدال ملابسه أو حتى غسل وجهه ، أو حتى أن يغيب عن أعينهم ، ذهب معهم لاحتساء فنجان القهوة والذي استمر لعدة أسابيع، ثم أخلي سبيله0
الدعوة الثانية لإحتساء القهوة من قبل رئيس المكتب لم تطل ، فبعد الشهر تقريبا من اخلاء سبيله الاول ، تلقى دعوة ثانية الى شرب فنجان القهوة والذي استمر في احتسائه ولمدة اكثر قليلا من الاول ، ليعاد بعدها اخلاء سبيله0
الاعتقال مسألة صعبة ،ولكن أكثر ماكان يضايق الاستاذ صالح في الزنزانة هو استمرارة في لبس البنطلون والقميص اللذين كان يرتديهما عند جلبه ،وعدم السماح بزيارته أو حصوله على ملابس أخرى 0
لذلك قرر عند اخلاء سبيله في المرة الثانية أن يحتاط للامر ، لانه وكما يبدو فان هناك مرات قادمة ، وبالفعل توجه الى السوق واشترى بيجاما مخططة وشحاطة ووضعهما في كيس خاص، علقه خلف الباب الرئيسي للمنزل ، وذلك حتى لايتفاجىء ، في الدعوات المقبلة0
وفعلا لم يطل انتظار الاستاذ صالح 000 عندما فتح الباب وتلقى الدعوة الى فنجان القهوة كالعادة ، مد يده الى خلف الباب وحمل كيسه ليأخذه معه ، وأصر على ذلك بالرعم من تأكيد الرجل المكلف بدعوته أن الامر لايتجاوز الدقائق اللازمة لشرب القهوة 0
في الزنزانة التي وضع فيها ،والتي ضمت العديد من المعتقلين ، وكان من بينهم أحد رفاقه ويدعى توفيق، وهو من الذين ساروا على درب مقاومة الانفصال ، والذي أعجب وأثنى على الاستاذ صالح لحسن تصرفه واحتياطه في تأمين وسائل الراحة لهذه الاقامة0
لبس الاستاذ صالح البيجامه المخططة وجلس أمام الاخرين بطريقة استعراضية لاتتاح إلا لمن يلبس البيجامة ، ولم يكف باقي زملائه في الزنزانة أيضا عن ابداء اعجابهم بتلك الفكرة العبقرية ، وخاصة توفيق 0
لم تكن البيجامة الشيء الوحيد المريح في هذه المرة من الاعتقال، بل لعب الحظ لعبته مع الاستاذ صالح ، وذلك بأن كان أحد عناصر السجن من التلاميذ الذين مروا عليه في السابق وعلمهم ، واذا كان الاستاذ لايذكر كل الوجوه التي علمها ، فإن التلميذ لاينسى أبدا الوجوه التي علمته ، كما لايستطيع ان يخرج من أسر العلاقة بين المعلم والتلميذ 0 فالمعلم سيبقى كذلك ، حتى لو كان معتقلا و كان تلميذه هو السجان0
عند كل صباح كان يتادى على المعتقلين للخروج من زنزانتهم ، لبهدلتهم أو للقيام بأعمال التنظيف ، او لازعاجهم بأية طريقة كانت، إلا أن ذلك السجان كان يستثني الاستاذ ، قائلا :" ابو بيجامة مخططة ، انت خليك جوا "0
واستمر ذلك الإستثناء اياما عديدة ، لفت معها الانظار الى تلك المعاملة المميزة التي كان يتمتع بها الاستاذ صالح ،و ليس فقط لدى المعتقلين ، وأيضا لدى باقي السجانين 0 إلا أن أحدا لم يتكلم وذلك مراعاة لروح الزمالة واحترام الرغبات التي يبديها البعض تجاه الاخرين 0
توفيق والذي عانى من سوء المعاملة له ، وجد ان من حقه ان يتمتع ببعض المميزات التي تتيحها هذه البيجامة له ، فيما لو لبسها، لذلك لم يجد حرجا في الطلب الى الاستاذ صالح بأن يعيره اياها ولو ليوم واحد ، متعللا بالآلام التي اصابت ظهره وتمنعه من النوم ، وكذلك قدميه التي لم يعد قادرا على الوقوف عليهما من آثار الفلق0 وهكذا لم يتردد الاستاذ صالح في تلبية رغبة رفيقه وفورا0
وتصادف في هذا اليوم حصول" السجان التلميذ" على الموافقة على اجازة لبضعة أيام ، مما دعاه الى مغادرة المبنى استعدادا للسفر0
باقي السجانين وبعد ان تأكد لهم مغادرة زميلهم المبنى ، توجهوا من فورهم الى الزنزانه ، وكأنهم كانوا جميعا على موعد مسبق مع صاحب " البيجامة المخططة "
وما أن فتحوا الباب حتى صاح أحدهم : الجميع اليوم إستراحة ، ماعدا أبو البيجامة المخططة 0
خرج اليهم توفيق محاولا أن يشرح لهم بأنه مجرد "عابر سبيل" على هذه البيجامة المخططة ، وبأنهم لم "يقصروا " معه في الأيام السابقة ، وبأنه لم يفته شيئا من حسن ضيافتهم ، ولكن هيهات 000
عاد الى الزنزانة بعد الحفلة الصاخبة والمبيته لصاحب "البيجامة المخططة" وقد انهكت قواه ، وبالكاد استطاع أن ينزع عنه تلك البيجامة المخططة المشؤومة، ويعيدها الى صاحبها الذي لبسها من فوره ، لاعنا اليوم الذي فكر فيه بأن يستعيرها 0
مضت ساعات على ذلك ، عاد بعدها" السجان التلميذ" الى عمله ، لأنه لم يستطع السفر بسبب إعلان حالة الإستنفار وإلغاء الإجازات 0
بعد أن انتشر الخبر ، نظر الاستاذ صالح الى توفيق ، واشار له الى البيجامة المخططة وأنه يمكنه ان يتنازل له عنها ، إلا أن توفيق لم يبدو عليه أنه متحمس لهذه الفكرة ، فمن الممكن أن تتغير التعليمات ويذهب صاحبنا في إجازته 0
إلا أن المفاجأة كانت ، بأن فتح باب الزنزانة ،وصاح صاحبنا : " الكل لبرة ، وانت صاحب البيجامة المخططة ، خليك جوه "
موضوع: حكاية المتعوس والبيجاما 
السبت يونيو 20, 2009 2:02 pm
