زواج الأديان بين الشرع والمحرمات والحريات الفردية
بين مؤيد ومعارض قضية أثارت السجال في الوسط الشرقي عامة وفي الوسط السوري بشكل خاص بعضهم أسماها عقدة والبعض الآخر أسماها التزام وواجب ومنهم من اعتبر الخوض فيه من المحرمات "عقدة الدين كما أسماها البعض... الالتزام بقانون الأحوال الشخصية وفق الشرع كما أسماه البعض الآخر مازالت عقبة كبيرة" أمام استصدار قانون الزواج المدني في سورية وفي باقي المجتمعات الشرقية.
البعض يرى أن ظاهرة الزواج المختلط ( المسيحية والإسلام ) مرفوض شعبياً ورسمياً ومن الحرمات والبعض الآخر يرى أن رفض الزواج المختلط ينتج عنه مضاعفات اجتماعية خطيرة تلقي بظلالها السلبية على المجتمع وهو أمر يتعارض مع القوانين المدنية والحريات الفردية ومع مبادئ حقوق الإنسان، هؤلاء دعوا لاستصدار قانون زواج مدني في سورية بإشراف الدولة، من أجل شرعنة وقوننة واقع قائم ومفروض، وتنظيم هذا الواقع واحتوائه بشكل إيجابي وفي إطار قانوني وديمقراطي وطني معتبرين ان هذا الزواج إطار قانوني مدني يجمع بين رجل وامرأة، كمخرج لمشكلة وظاهرة اجتماعية معقدة وشائكة، ندرك مدى حساسيته الاجتماعية والدينية في مجتمعنا السوري، حيث النسبة الكبيرة فيه مسيحيين ومسلمين هي شرائح محافظة .
واستصدار قانون زواج مدني في سورية لا يعني قطعاً الفوضى والإباحية وانتهاك القيم والأخلاق العامة، وإنما شرعنة وقوننة واقع قائم ومفروض وتنظيم هذا الواقع واحتوائه بشكل إيجابي وفي إطار قانوني وديمقراطي وطني، وفي هذا الاطار يرى البعض أن من واجب أو من حق الدولة التدخل وبشكل رسمي بتفاصيل وشروط عقد الزواج المدني، لأن للزواج نتائج هامة تتعلق بحقوق الأطفال، والإرث وتوزيع الملكية والضمانات الاجتماعية والمضاعفات السلبية للطلاق. لذا يمكن للدولة فرض قواعد وتنظيم عقود الزواج المدني وفق أسس ومبادئ تضمن حماية حقوق الطرفين وخاصة حقوق الأطفال والمرأة غير العاملة في حال حصول طلاق أو فسخ العقد" .
تشعب الآراء حول قضية الزواج المدني يعود إلى التباين في النظرة لعالم جديد بدأ يحطم مفاهيم العالم التقليدي القديم ويخترق الحواجز التي يفرضها التراث، والقبول بالزواج المدني يرتبط ويتعلق بدرجة كبيرة بسوية الوعي المدني، فهو رغم كونه موضوعاً حقوقياً، لكن من الصعب أن نفصله عن كافة العوامل التي تحكم حياة الأفراد داخل النظام الاجتماعي والثقافي والسياسي والديني الذي يحكمهم.
إن قانون زواج مدني عصري ومدروس ترعاه الدولة يرتكز إلى شرعة حقوق الإنسان، يضمن حق المرأة والأولاد ويحصن المرأة أكثر ويضمن حقوقها المدنية والانسانية والاقتصادية، ثم إن مسألة قانون الزواج المدني أكبر وأعمق بكثير من قضية اختلاف الدين.
صحيح هناك مخاوف وهواجس من الزواج المدني وهي مخاوف مشروعة ومبررة لأنها ستكون تجربة جديدة على مجتمعنا، لكن صحيح أيضاً أن هذه المخاوف يجب أن لا تحول دون استصدار قانون يجيز ويشرع الزواج المدني، إذ لكل تغير ثمن ويمكن التقليل من السلبيات بالتدخل الإيجابي من قبل الدولة وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والأهلي، فالتغيير بات حاجة ملحة وضرورية لمجتمعاتنا، يفرضه منطق العصر والتطورات الكبيرة التي تعصف بالمنطقة والعالم .
طبعاً القضية ليست بالأمر السهل، فالزواج المدني لا يحتاج فقط إلى بيئة وقوانين تشريعية بل يحتاج أيضاً إلى فضاء ثقافي، والتحول باتجاه الزواج المدني مرتبط إلى حد كبير بتحولات ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية تعزز ارتباط وانتماء الفرد بالدولة ومؤسساتها وببناء مجتمع مدني عصري يقوم على مفهوم المواطنة والدولة المدنية القائمة على مبدأ فصل الدين عن الدولة واستقلال القانون عن الشرع الديني" من وجهة مناصري الزواج المدني أو الزواج بين الأديان.
فالتحول نحو قانون الزواج المدني يتطلب "جهودا مكثفة وبرامج توعية اجتماعية وحقوقية من قبل منظمات وهيئات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة والسعي إلى تغيير القوانين والمفاهيم السائدة والتي تتسامح مع ما يعرف بجرائم الشرف، فعلى السلطات التشريعية تعديل قانون العقوبات التي تتيح لمرتكبي جرائم القتل المرتبطة بقضايا الدفاع عن الشرف الحصول على أحكام مخففة وإلغاء المادة (548) من قانون العقوبات السوري والتي تمنح القاتل أو الجاني أعذاراً وأسباب مخففة للحكم في جرائم الشرف، وهذا ما تطالب به منظمات عديدة ونشطاء حقوق الإنسان في سورية. فالمسألة لا تتعلق بحالات فردية بل بحقوق الفرد داخل المجتمع، فالزواج المدني يقوم على حرية الاختيار بين طرفين راشدين يتمتعان بالحقوق والواجبات نفسها، وهو في النهاية مسؤولية فردية ويدخل في إطار الحقوق الفردية أو الشخصية للإنسان" .
البعض يؤيد هذا الزواج من أجل تحقيق إنسانية الإنسان وحق الاختيار وممارسة الإرادة التي خلقها الله في الإنسان ويرون أن هذا الزواج يساعد على تطوّر المجتمع، ولا يبقيه أصولياً، وبذلك يمكن أن يتحوّل نحو المدنية، وإذا تكاثرت هذه الزيجات سيخفّ تأثير وتدخّلات رجالات الدّين، وهو ما سيعزّز قيم المدنية وفصل الدّين عن الدولة.
وفيما يخص القلق بشأن تربية الأولاد وهويتهم يبرر أصحاب هذا الموقف الإيجابي من الزواج المدني بالقول أن الحاجة إلى قانون الزواج المدني تزداد، لأن الأطفال سوف يتمتعون بخصال إيجابية، أهمها أنهم لن يكونوا متعصبين لطائفة أو لدين معين. وللأطفال الحق في اختيار الدين الذي يرغبون فيه وفق الحرية المعطاة لهم بالتعبير عن قناعاتهم
أما الرأي الآخر والسائد في مجتمعنا العربي عامة والسوري خاصة فيعتبر أن مجرد الخوض في هذا الموضوع يعد من المحرمات ، باعتباره يعارض في أغلب أحكامه القوانين السائدة التي مصدرها النصوص الدينية فالشرع الإسلامي لا يقبل بزواج المسيحي من مسلمة ما لم يغير دينه إلى الإسلام ، مستندين في ذلك إلى الحفاظ على العائلة، وغضب الأهل، العشيرة، النبذ الاجتماعيّ، ومشكلة إلصاق تهمة العار على أهل من يقدم على هذه الخطوة، والأمر ينطبق كذلك على كافة الأديان كالدين المسيحي والإسلامي وكافة الطوائف التابعة لها.
شكل الموضوع سجالاً حامياً بين مختلف الأوساط والشرائح السورية حول قضية الزواج من غير دين، وطرحت تساؤلات حول تصنيف هذه القضية وخاصة حول موضوع الجرائم المرتكبة تحت هذا الغطاء الذي يصنف ضمن (جرائم الشرف) التي يخفف قانون العقوبات السوري بموجب المادة 548 من الحكم القضائي على الجاني، أم أن هذا الموضوع يجب أن يصنف كقضية شخصية تدخل في إطار الحقوق والحريات الفردية للإنسان.
مجموعة من الأسئلة- لإلقاء الضوء على هذه الحالات كأمر واقع يجب معالجته أو يجب إبقائه على حاله - الجزء الأول من الأسئلة: يتمحور حول الأسباب الاجتماعية لرفضه التي تصل إلى حدّ قتل النساء المقدمات عليه؟
والصعوبات التي تواجه هذا الزواج وأسباب فشل كثير من العلاقات، وهل يقبل زواج أبنائهم من مذاهب مختلفة، وكيف يتمّ التعامل مع هذا الموضوع؟
وهل العائق الوحيد الذي يواجه هذا الموضوع هو الدين أم أن هناك عائق أخرى كقانون الأحوال الشخصية والبيئة الاجتماعية ومستوى وثقافة ووعي الأفراد ؟
تشتد الصيحات المطالبة بالزواج المدني وهي صيحات تهدف إلى تحرير عقد الزواج من سلطة رجل الدين وإعادتها إلى سلطة الرجل والمرأة اللذين لهما دون سواهما الحق برسم طبيعة العلاقة أو تقرير استمرار الحياة الزوجية أو فسخها، هكذا ترتسم الصورة حادة قاسية لتحدد العلاقة بين الزواج الشرعي والزواج المدني, في إثنية صارمة لا تسمح بأدنى تداخل بين الإلهي والبشري, وتفرض على الناس سؤالاً مباشراً: هل تريد دين الله أم دين الإنسان إن صح التعبير !!
فهل الصورة في الواقع هكذا? وهل الحل السحري لمشاكل الزواج والطلاق يكمن في تطبيق نظام مدني للزواج لا يعترف بسلطة الدين أو القانون?
لماذا لا يكون الزواج ممكناً بين الطوائف في سوريا؟
هل الزواج المدني حلال أو حرام من وجهة نظر الدين؟ أم أن هناك أسباب أخرى تحرمه؟
هل يشكل هذا الموضوع ظلماً كبيراً على الحب الذي خلقه الله في قلب كل إنسان منا ليأتي الدين ويقتله بين أبناء الأديان المختلفة؟ أم أن للموضوع أبعاد أخرى ؟
تساؤلات مشروعة تطرح نفسها ويسرنا إبداء الرأي فيها ....