الديار - نبيه البرجي
هي، اذاً، رقصة الفالس بين الخوذة والعمامة «الاخوان المسلمون» ما زالوا عند رأيهم «اذا لم تكن معنا فطريقك الى جهنم»، والعسكر ما زالوا عند رأيهم «اذا لم تكن معنا فطريقك الى الزنزانة».
من كان لايعرف ان الذي جرى في مصر انقلاب دبّر ذات ليل. الكثيرون سقطوا في الغواية، الغواية اللغوية على الاقل، وقالوا، وكتبوا، وصاحوا «انها الثورة». ثورة ويكون قطباها احمد شفيق ومحمد مرسي..
لنقل مع صديقنا عمر حمزاوي الذي كان احد الوجوه البارزة في معهد كارنيغي في بيروت، والذي اعتبر ان الذي ظهر على الارض ان «الاخوان المسلمين» لا تكفيهم الآخرة فأرادوا الاطباق على الدنيا (الاطباق بلحاهم على الدنيا)، فيما الجنرالات يحاولون الايحاء بأن افلاطون وليس قراقوش هو الذي يقود الدبابة…
يا لسخرية القدر ان الغيبوبة حالت دون حسني مبارك من ان يرى كيف ضاعت الثورة بين المشايخ والجنرالات.
احد رسامي الكاريكاتير اظهر كيف ان «الاخوان المسلمين» قطعوا طريق العالم الآخر (بالحجارة ام بالاطارات المشتعلة؟) على الرئيس المخلوع. ارادوا الاحتفاظ به في «البرزخ» الذي ورد ذكره في القرآن لأن بقاءه، معلقا هكذا بين الموت والحياة، ضرورة سيكولوجية لتعبئة الناس ضد… الشبح.
الناس إياهم الذين تساءلوا اي ديموقراطية تلك عندما يمسك «الاخوان» بمجلس الشعب، وبمجلس الشورى، وبالحكومة، وبرئاسة الدولة، ناهيك عن الجمعية التأسيسية، ودون ان يعلم الناس ما هو برنامجهم السياسي ولا برنامجهم الاقتصادي. حتى وهم في الضوء بقوا يعملون في الظلام. هل ادرك الذين انتخبوهم اي مستقبل (هائل) ينتظرهم؟
الغريب ان الصفقة سقطت سريعا بين «الاخوان المسلمين» و«الاخوان العسكريين». المشكلة ان كل طرف يريد كل شيء، من الامساك برغيف الخبز وحتى الامساك برئاسة الجمهورية التي، ومن قبيل الهرطقة (او المهزلة) السياسية لم تحدد صلاحياتها الدستورية. اي منطق هنا، واي ديموقراطية، حين يذهب الناس، افواجاً افواجاً، الى صناديق الاقتراع لينتخبوا رئيسا للجمهورية لا يعرفون صلاحياته؟
العسكر يحددون، لاحقا، الصلاحيات، وبحسب شخصية الرئيس ان كان الفريق احمد شفيق، او كان الشيخ محمد مرسي. في وقت من الاوقات خافوا من ظاهرة حمدين صباحي ان تفضي الى صناعة الثورة فعلا…
وحين زار رجب طيب اردوغان القاهرة، اطلق تلك المعادلة السريالية، والخادعة في آن، اي حكومة اسلامية ودولة علمانية. ثار عليه الاسلاميون الذين لم يفقهوا ان رئيس الوزراء التركي ليس مقتنعا بهذه المعادلة التي لا يطبقها ابدا في بلاده، فالدولة ينبغي ان تكون اسلامية بالكامل، اما وثائق الازهر الثلاث فتصلح للتداول الاكاديمية لا للتطبيق العملاني، وليذهب العلمانيون والليبراليون والاقباط الى الجحيم…
منذ البداية قلنا ان الثورة في مصر ممنوعة لانها مصر، ولان اي نموذج ثوري فيها يزعزع المفاهيم الرثة للمجتمعات العربية كما للانظمة العربية، بل يؤدي الى تقويضها، واحداث ديناميكية مستقبلية خلاقة، فيما المصالح الدولية والاقليمية تقضي بالعكس تماما. قال هذا بول ولفوويتز بوضوح، فالزمن في المنطقة ينبغي ان يبقى في الاقامة الجبرية او على تخوم تورابورا…
قبل ان تكون ثورة ضد الشخص، ثورة ضد الزمن. ولكن من تراه يستطيع ان يهز هذا الزمن؟
الزمن الذي تحرسه الدبابات وراجمات الصواريخ التي قد تستخدم في العباسية او في بولاق او في الزقازيق، فلا ثورة، بل محاولة لاعادة تركيب، او هيكلة، مصر بالطريقة التي تبقيها تدور في الحلقة المفرغة والى الابد…
لا الاميركيون، ولا العرب، يريدون الثورة في مصر. لاحظوا حجم المساعدات التي «اغدقت» على 85 مليون كائن بشري منذ ازاحة حسني مبارك وحتى الآن. الارقام مخجلة حقا، مخزية حقا، فيما اثرياء العرب حائرون بما يفعلونه بفوائضهم التي تمزقها الازمات المالية العالمية، ودون ان يبقى سرا ان مفاوضات سرية جرت بين دول اوروبية ودول عربية من اجل مشاركة مالية عربية فعالة في تعويم اليونان واسبانيا وايطاليا وغيرها وغيرها لان انهيار القارة العجوز لا بد ان يفضي الى تداعيات كارثية على الشرق الاوسط. (هذا قبل ان نقرأ المقال الاخير لتوماس فريدمان في النيويورك تايمز).
السؤال يبقى: من يقف وراء العسكر الذين هم اقل حنكة، واقل فاعلية، من ان يلعبوا دورا اتاتوركيا في مصر؟ ليسوا هم الذين يصنعون تلك السيناريوات التي افضت الى تفريغ الثورة من كل محتوياتها، بما في ذلك الصراخ. ولكن هل يمكن لمصر ان تعود الى الفراش، وهل يمكن تركيب ساقين اصطناعيين للزلزال؟
لن تهدأ مصر بعد الان. طريق الجلجة طويل وشاق. بعد الصلب القيامة…