نشرت صحيفة "ليتيراتورنايا غازيتا" الروسية مقالة للباحثة في شؤون الشرق الأوسط فيرونيكا كراشينينيكوفا، تعبر فيها عن قناعتها بأن سقوط النظام السوري، يجلب عواقب كارثية إلى روسيا. وجاء في المقالة أن السقوط المتتابع للأنظمة العربية التي لا تروق للغرب يشبه إلى حد بعيد لعبة الدومينو. ومن اللافت أن تغيير الأنظمة يجري بمشاركة نشطة من الدول، التي تمكنت للتو من إسقاط حكامها. فعلى سبيل المثال، ساعدت مصر الثوار الليبيين على الإطاحة بنظام القذافي. وها هم ثوار ليبيا يقومون اليوم بدور مشابه، عندما يزودون المقاتلين ضد النظام في سورية بالسلاح. ففي نهاية نيسان الماضي ضبطت القوات اللبنانية باخرة، محملة بكميات كبيرة من أسلحة الجيش الليبي، كانت في طريقها إلى سورية. ولم تبق الولايات المتحدة في معزل عن ما يجري في تلك المنطقة. فقد شاركت بشكل مباشر في العمليات القتالية ضد قوات القذافي، وها هي اليوم تساهم في تسليح المقاتلين السوريين. ولعل ما يزيد الوضع في سورية تعقيدا هو أن المعارضة تنفذ بدقة مخططات رعاتها الغربيين. ففي المناطق الآمنة نسبيا ينشط المدنيون في تنظيم التظاهرات الاحتجاجية السلمية. وأما في المناطق التي تتعرض لقمع السلطات، فيتولى مقاتلون سوريون وأجانب مهمة مواجهة الجيش النظامي باستخدام الأسلحة الليبية. وبعد هذه المقدمة لا بد من التساؤل عن انعكاسات كل ما يجري في تلك المنطقة على روسيا. من الواضح تماما أن سقوط النظام السوري يعني فقدان روسيا حليفها القوي والوحيد في العالم العربي. وهذا بدوره يعني أن روسيا ستخسر منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية ستفقدان دعامة أساسية لصمودهما، وأن النفوذ الأمريكي في المنطقة سينتشر بلا حسيب أو رقيب. وسيكون من الصعب جدا على إيران أن تستمر في صمودها أمام الضغوط الغربية. علينا نحن في روسيا ألا ننسى أن إيران وسورية، هما امتداد جغرافي للحدود الجنوبية الروسية. لهذا فإن سقوط النظام السوري الحالي يعني بالنسبة لنا أن جبهة المواجهة مع الغرب سوف تقترب من الحدود الروسية في منطقة القوقاز، وجمهوريات آسيا الوسطى. أما في ميادين السياسة الدولية، كمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما، فستفقد روسيا العديد من الأصوات التي تعتبر حليفة في الوقت الراهن.
لا يمكن لأي مراقب إلا أن يقر بأن حل الأزمة السورية غير ممكن دون مشاركة روسيا لأن الموقف الروسي هو الذي يعيق التدخل العسكري الغربي المباشر. هذا ما تدركه واشنطن جيدا. ولهذا فإنها تمارس ضغوطا شديدة على موسكو. كما يرتبط الموقف الروسي من سورية ارتباطا وثيقا بالسياسة الداخلية الروسية. ويعد كل ذلك امتحانا صعبا للرئيس فلاديمير بوتين لأنه سوف يبين ما إذا كان بوتين يمتلك ما يكفي من الإرادة السياسية والقوة لمواجهة اللوبي الغربي داخل روسيا.
وهنا لا بد من الاعتراف بأن السياسة الخارجية الروسية تفتقر في بعض الأحيان إلى الوضوح. ففي حال تبين أن روسيا لا تدعم أيا من الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية، بل تدعم ما يسمى بالسيناريو اليمني، الذي يعني في أول ما يعنيه تنحي الأسد، فإن ذلك سيكون مستغربا. وإذا كانت روسيا تتخذ هذه المواقف بهدف استرضاء الولايات المتحدة، فذلك خطأ فادح، لأن واشنطن لن ترضى بأقل من الاستسلام الكامل والتخلي عن الأسد دون شروط. وذلك ما تسعى لتحقيقه في نهاية المطاف. أما التنازلات الصغيرة، أو حتى الكبيرة، فلن تنقذنا لأن التخلي عن سورية، يعني أن أنظار واشنطن سوف تتجه، بعد فترة من الوقت، نحو روسيا التي ستصبح هدفا تاليا بعد سورية. وليس من المستغرب أن يجري ذلك بمساعدة الأنظمة الجديدة الموالية للولايات المتحدة، في سورية وغيرها من الدول.