"مهمة الراهب هي العناية بالجائعين والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين. كل هؤلاء البشر الذين يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم أو محرومون من العناية والمحبة. أولئك الذين يعتبرهم أفراد المجتمع عبئا عليهم فيتجنبونهم"(الأم تيريزا)
في 26 تشرين الأول 1910 أبصرت النور صاحبة اليد البيضاء الراهبة الألبانية الأصل التي استحقت جائزة نوبل للسلام عام 1979 الأم تريزا أشهر راهبة في القرن العشرين،
ولدت في يوغوسلافيا وهي من عائلة متدينة للغاية كانت تعمل في الفلاحة، واسمها الأصلي آغنيس غونكزا بوجاكسيو، فقدت والدها وهي صغيرة عام 1931 دخلت في سلك الرهبنة واتخذت اسم الأخت تريزا لها، وفي عام 1937 نذرت نفسها وأصبحت الأم تريزا فخلعت زي الرهبنة ولبست الساري الهندي القطني بلونه الأبيض للإهتمام والعناية بالأطفال المهملين والمشردين الفقراء، وتأمين الطبابة لهم،
وفي عام 1950 أسست جمعيتها لراهبات المحبة التي اهتمت بالأطفال المشردين والعجزة والمنبوذين. وأسست جمعية أخوة المحبة عام 1963 خاصة بالرهبان،
وفي الـ75 من عمرها ذهبت للحبشة لمساعدة المنكوبين وأغاثتهم من الجوع والتشرد. لم تهتم الأم تريزا بالمال يومًا ما فقد عرفت برفضها للمال والتبرعات المالية حيث كانت تصر على المساعدة والمشاركة الشخصية وفي كلكوتا حولت الأم تريزا جزءا من معبد كالي (إلهة الموت والدمار عند الهندوس) إلى منزل لرعاية المصابين بأمراض غير قابلة للشفاء والعناية بهم في أيامهم الأخيرة لكي يموتوا بكرامة، ويحسوا بالعطف والقبول بدل البغض والرفض من مجتمعهم، وتوالت بعد ذلك المؤسسات التي أنشأتها الأم تريزا، فأقامت "القلب النقي" (منزل للمرضى المزمنين أيضا)، و"مدينة السلام" مجموعة من المنازل الصغيرة لإيواء المنبوذين من المصابين بأمراض معدية، ثم أنشأت أول مأوى للأيتام.
وبازدياد المنتسبات إلى رهبنة "الإرسالية الخيرية"، راحت الأم تريزا تنشئ مئات البيوت المماثلة في طول الهند وعرضها لرعاية الفقراء ومسح جروحاتهم وتخفيف آلامهم، والأهم من كل ذلك لجعلهم يشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون كبشر.
وقد اختارت الأم تريزا لرهبنتها ثوبا بسيطا هو عبارة عن ساري أبيض اللون ذي إطار ازرق مع شارة الصليب على الكتف الأيسر، لكي يصير بإمكان المحتاجين معرفة الراهبات. ومن أعمالها المشهودة أنها استطاعت خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ان توقف إطلاق النار لمدة معينة إلى ان تمكن رجال الدفاع المدني من إنقاذ 37 طفلا مريضا كانوا محاصرين في إحدى المستشفيات. وعملها في أثيوبيا وفي جنوب أفريقيا، وصولاً إلى ألبانيا مسقط رأسها.
وفى عام 1965 م منحها البابا بولس السادس الإذن بالتوسع والعمل في كافة أنحاء العالم، لا الهند وحسب. وهكذا راح عدد المنتسبات إليها يزداد وفروعها تشمل معظم دول العالم الفقيرة أو التي تشهد حروبا ونزاعات. ولكن صحة الأم تريزا بدأت تتدهور منذ عام 1985. ويعود ذلك في جزء منه إلى عمرها، وفي جزء آخر إلى الأوضاع الصحية للمرضى الذين عملت معهم، والى إنفاقها معظم وقتها في رحلات حول العالم لجمع الأموال والمساعدات من أجل الفقراء، دون أن تصرف وقتا كافيا للعناية بصحتها، فأصيبت بمرض ذات الرئة وبعدها بمرض الملاريا والتهاب الصدر ثم توفيت في كالكوتا في 5 سبتمبر 1997.
رغم كل هذا العطاء وهذه التضحيات تعرضت الأم تيريزا للإنتقادات خاصة قبل أن يتم منحها جائزة نوبل للسلام أو قبل تطويبها كقديسة، تم التشكيك بإيمانها بالله الذي لا شك فيه فأعمالها تثبته وتنفي أي قول معاكس فالإيمان هو المحبة والعطاء وهذا ما رسمته خلال حياتها ودون مقابل. ليس من المستبعد أن تواجه أعمالها العظيمة بالمجابهات والإنتقادات العديدة خاصة من أديرة ورهبان،
ومن هذه الإنتقادات أن فريق الأم تيريزا لم تكن له دراية واسعة بالطب، وأيضا أن الأساليب المتبعة في العناية الطبية لم تراع المعايير الطبية، كما أن عدد الذين تمت العناية بهم قد تم التشكيك به كثيرا. وكان رد الأم تيريزا على بعض تلك الانتقادات هو أن "النجاح ليس المقياس بل الصدق والأمانة والإخلاص في العمل هي المقياس." ويمكننا القول أن قليل من العناية خير من عدمها، وليت من إنتقدها خاصة من يدعي الإيمان قام بتقديم جزء صغير مما قدمته!
......................................