الغرب وعقدة «الخط الأحمر» الروسي حول سوريا
«نحن أمام مأزق فعلي».. يعترف أحد الدبلوماسيين الغربيين بالأمر احتجاجاً على ما شخّصه بـ«العناد الروسي» الرافض لأي تحرّك عسكري أو أي فرض لعقوبات على سوريا.
«نعمة» التعاون الناجحة بين روسيا والغرب في ليبيا انقلبت نقمة خلال الأزمة السورية. صحيح أن المشروع الذي قدمته موسكو في الخامس عشر من الشهر الماضي ترك بصيص أمل بأن الأخيرة مستعدة للحوار، ولكن مسودة مشروع القرار خضعت للتعديل بعد شهر. وجاءت المسودة في نسختها الثالثة، التي قُدّمت لمجلس الأمن هذا الأسبوع، مجرّد مجموعة من التعديلات التي أجرتها الدول الأعضاء، أما الموقف الروسي فيها فلم يتغيّر: نحن مصمّمون على إدانة العنف بالتساوي بين قوات الأمن والمعارضة.
الموقف الروسي يخيف المسؤولين الغربيين، ببساطة لأنهم لا يستطيعون مجاراته.. إنه «خط أحمر لا يمكننا عبوره، فمصداقية المجلس على المحك»، يقول أحد المسؤولين في مجلس الأمن.
أما أحد العوامل التي يرى الغرب أن الموقف الروسي يتأثر بها فهو ما يسميه المسؤولون بـ «العامل البوتيني». فبعد يومين من المفاوضات المحتدمة حول الوثيقة المقدّمة من عشر صفحات، لم يستطع الخبراء من الدول الـ15 الأعضاء أن يتوصلوا إلى اتفاق. حينها بدا واضحاً أن الخطوة التالية ستأتي من المسؤولين الروس. ولم يمـــض ســوى بعض الوقت، حتى خرج وزير الخــارجية الروسي سيرغي لافروف ليــؤكد رفض بلاده الحاسم لأي تدخل أو عقوبات في سوريا، مهدّدا باستخدام حق النقض الفيتو في حال الإقدام على اتخاذ تدبير مماثل.
من هنا، يرى الخبراء أن موقف روسيا له علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة وبإمكانية عودة فلاديمير بوتين إلى موقع الرئاسة. ويقول مدير الشؤون الروسية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أندرو كوتشينز «إن الخطاب الروسي الحادّ يذكرنا بالنهج الذي كان يعتمده بوتين خلال فترة رئاسته السابقة»، موضحاً «يشعر الروس بأنهم تعرّضوا للخداع في ليبيا. فبالنسبة لهم، «الناتو» ذهب في ليبيا إلى أبعد مما جرى الاتفاق عليه، الأمر الذي أثار مخاوفهم عن ترسيخ نموذج العالم الأحادي القطب تحت أمرة الولايات المتحدة».
خير مثال على ذلك: لم يكن هناك أي ذكر للعقوبات في النسخة الروسية لمشروع القرار ولا حتى «تهديد» بالعقوبات أو ذكر للمحكمة الجنائية الدوليّة، أي إن الكرملين لم يلتزم بأي من التعديلات الأوروبية. حتى إن روسيا ذهبت إلى أبعد من ذلك، وذلك في التوضيح الذي حملته المسودة: «لا ينبغي تفسير أي شيء في هذا القرار على أنه تشريع للتدخل العسكري من أي جهة كانت».
ويبقى أن»الاستراتيجية الروسية اليوم تقوم على تقديم سترة النجاة لسوريا، فالمهم ألا يغرق المركب السوري بالكامل»، هكذا تفسّر خبــيرة الشــؤون الروسية في معهد «بروكنــغز» فيونا هيل الموقف الروسي. وانطلاقا من أن لروسيا مصلحة استراتيجية في الحــفاظ على الاستقرار في سوريا، كونها الحليــف الأول في الشرق الأوسـط لجهة الاستثــمارات وصفقات الأسلحة والمنشآت البحرية، تبدو موسكو متــوترة بشــكل فعلي بشأن إمكانية سقوط النــظام السوري، حسب هيل التي تضيف «إن موسكو تعوّل كثيراً في المرحلة الراهنة على هذا النظام».
من جهة ثانية، وعلى ضوء قرار اللجنة الوزارية العربية المعنية بالأزمة السورية بالتمديد شهرا لبعثة المراقبين العرب في سوريا، وفي ظلّ ما يشهده المجتمع الدولي من تجاذبات بشأن التدخل في سوريا، فإن الجامعة العربية تصبح مسؤولة عن تولي زمام المبادرة خلال الفترة المقبلة. وفيما لا تملك الجامعة العربية الوسائل الكافية للمماطلة، يقترح الناشط الحقوقي المعروف آريا نايير على الجامعة إمكانية اللجوء إلى إنشاء: المحكمة الجنائية العربية.
ويوضح نايير اقتراحه قائلاً «يمكن للجامعة إنشاء محكمة على غرار المحكمة الجنائية الدوليّة، تتألف من قضاة عرب ومدعين عامين ومحققين ومحامي دفاع، وتُجري أعمالها باللــغة العربيّة. وسيكون من ضمن اختصـــاصها النظر في الجرائم التي نصّ عليها القانون الدولي، وتعمل وفق إجراءات مشابهة لتلك التي تعمل عليها المحكمة الجنائية الدوليّة.
ويضيف موضحاً «على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية نفسها لا تملك أي سلطة على سوريا لأن الأخيرة ليست من ضمن الدول الموقّعة على معاهدة تأسيس المحكمة، فضلاً عن أن كلا من روسيا والصين قد تستخدمان الفيتو لردع أي محاولة لإحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية، وصحيح أن المحكمة الجنائية العربية في حال تأسست ستستغرق وقتاً طويلاً لمباشرة عملها، إلا أن مجرّد طرح الفكرة قد يعزّز الحوافز لدى المسؤولين السوريين من أجــل إنهـاء أعمال العنف».
(عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدوليّة» و«فورين بوليسي»)