لبيبة هاشم: تعالج قضايا المرأة بمرجعية الشريعة التي عززت مكانتها وحفظت كرامتها
ما لم تترب المرأة على الحياء وحميد الأخلاق، فلن ينجح في علاجها نقاب ولا يصون شرفها حجاب
لبيبة هاشم واحدة من الأديبات العربيات اللاتي اتخذن من الصحافة منبرًا حرًا لآرائهن في التعبير عن آمال المرأة الشرقية، ومساعيها للمطالبة بحقوقها التي هضمتها بعض التقاليد الاجتماعية البعيدة عن الشريعة الإسلامية، وظروف التدخل الأجنبي، والاستعمار الأوروبي للعالمين العربي والإسلامي، ونهجت نهجًا توفيقيًا بين الحجاب ونشاط المرأة العامة، وحقها في التعليم والتربية الصحيحة، فاستحقت أن تتبوأ مكانًا بارزًا في دائرة الضوء.
بين السفر والأدب
ولدت لبيبة هاشم في لبنان سنة 1880م على الأرجح، وتلقت تعليمها في مدرسة الراهبات، ثم في مدارس الإرساليات الإنجليزية والأمريكية، وبدأت في مرحلة مبكرة في مراسلة الصحف والمجلات، وإمدادها بإنتاجها الأدبي والشعري المتميز.
وبعد أن انتقلت مع أسرتها إلى مصر سنة 1897م استقرت في القاهرة، وواصلت الكتابة في المجلات الأدبية المعروفة.
وفي 1906م أصدرت مجلتها "فتاة الشرق" التي ظلت منتظمة في الصدور حتى توقفت سنة 1939م.
تنقلت بين مصر ولبنان وسوريا، واعتلت المنابر داعية إلى النهوض والعمل، ونشر التعليم بين النساء، وألقت عدة محاضرات في الجامعة المصرية (الأهلية) عن أهمية التربية والتعليم.
عينتها الحكومة السورية سنة 1920م في وزارة المعارف للتفتيش على المدارس؛ نظرًا لشهرتها في ميدان التربية والتعليم، لكنها تركت الوظيفة بعد مدة قصيرة، وهاجرت إلى شيلي، وأصدرت من سنتياجو العاصمة سنة 1923 مجلة "الشرق والغرب"، لكنها لم تستمر في الصدور أكثر من عام، عادت بعدها إلى مصر لتشرف على مجلة "فتاة الشرق".
على صفحات مجلتها ناقشت كثيرًا من قضايا المرأة، وعلاقتها بالمجتمع ومشكلاته، فكانت من أوائل من نادي بإنشاء الجمعيات العلمية والأدبية الخاصة بالنساء، بهدف تعزيز شأن المرأة في الشرق، وكانت تنطلق في دعوتها إلى تحسين حال المرأة من الاستمساك بالشريعة التي عززت مكانة المرأة، وحفظت كرامتها، وأعطتها حقوقها.
عنيت عناية شديدة بتثقيف المرأة وتنويرها، لتنشىء أجيالاً رشيدة، ولم تنكر عمل المرأة، إذا دعت الضرورة لذلك، ووقفت إلى جانب اللغة العربية تنتصر لها رغم ثقافتها الأجنبية الواسعة، وهاجمت المدارس الأجنبية التي تعني بلغاتها على حساب اللغة العربية، وبطريقة توافق مصالحها.
وكان لها دور كبير في التنديد بالحركة الصهيونية في فلسطين منذ وقت مبكر، فأخذت المجلة على عاتقها شرح أبعاد المشروع الصهيوني في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
المرأة أفضل من الرجل
كما عابت على بعض الرجال موقفهم من المرأة، والنظر إليها نظرة دونية مذلة، وتحميلها بأشق الأعمال، وأثقل الأحمال، واعتبرت هذا من الهمجية والجهالة التي خيمت على عقولهم وقلوبهم، فأغلظتها، فلم يروا حقيقة مركز المرأة، ولم يشعروا بفضلها على البشر، فاتخذوها أداة لخدمتهم، ووسيلة لاكتمال مسراتهم.
تعليم البنات
تحمست لتعليم البنات، وطالبت بزيادة مدارس البنات في مصر وانتشارها، أسوة بمدارس البنين، وإن كانت تعتبر أن تعليم البنات أهم؛ لأن المرأة هي مرآة الأمة، وعنها تنعكس أشعة آدابها، حسنة كانت أم سيئة، فتقول: لو نظرنا إلى أي قوم لم يمهدوا سبل التعليم لنسائهم، بل آثروا بقاء برقع الجهل على بصائرهن، رأينا أنهم لا يزالون خابطين في ظلمات الهمجية سائرين في سبيل التقهقر والانحطاط،
وهذا ما يدلنا على أهمية منزلة المرأة في المجتمع الإنساني، وما لها من التأثير في حالتي سعادته وشقائه، وكيف لا، وهي التي بآدابها تطبع في أخلاق أولادها آثار الفضل والفضيلة، وتبث فيهم محبة الوطن، وبجهلها تحط بهم إلى الدركات الحيوانية، وتقذفهم في مهاوي الشقاء.
إذن فالمرأة مُهذب الأمة ومرشدها، كما أنها محور المجتمع، وأساس الحضارة والمدنية، وعليها يتوقف نظام العمران وسعادة بني الإنسان، وتتعجب ممن لا يتحمسون لتعليم البنات، ويكتفون بتلقينها القليل منه كالقراءة البسيطة،
ويعتبرون من العبث إنفاق الوقت والمال جزافًا في سبيل تعليمهن العلوم العالية، وردت عليهم بأن المرأة أحوج إلي هذه العلوم من غيرها لقيامها بواجباتها، فإن كلاً من أصحاب المراكز، والحرف، والمستخدمين، والعمال، والمزارعين لا يحتاج من العلوم سوى الفرع اللازم لإتمام عمله،
أما المرأة فإنها بحاجة إلى الإلمام بمبادئ أكثر العلوم، إن لم نقل كلها، فيلزمها أن تكون سياسية محنكة في إدارة شؤون منزلها، وطبيبة قادرة على العناية بصحة أطفالها، وخياطة وممرضة ومهذبة ومرشدة... إلى غير ذلك، مما لا تجهله حضرات السيدات من الأعمال النسائية عظيمة الأهمية.
فكيف يمكن للمرأة أن تقوم بهذه الواجبات المهمة، إذا كان ما تعلمته قاصرًا على القراءة البسيطة، ومن ذلك تتضح لنا فائدة التعليم للفتاة، ووجوب عدم الاكتفاء بالقليل منه، وإلا تعرضت لأخطار العلم الناقص الذي هو أشد ضررًا من الجهل التام.
وفي مقال آخر بعنوان: "نور العلم يرفع الحجاب"، ركزت على ضرورة تهذيب المرأة وإعدادها؛ لأن تكون شخصًا مستقلاً، ومخلوقًا كاملاً تعرف أهمية مقامها، وتدرك حقيقة ما يطلب منها، وإذا كانت أصوات كثير من الأدباء قد ارتفعت مطالبة بذلك، فإن آراءهم اختلفت حول سبل الوصول إلى هذه الضالة، فمنهم من قال برفع النقاب عن وجه المرأة، ومنهم من قال ببقائه، ومنهم من اكتفى بتعليمها وتربيتها تربية صحيحة، وهذا الأخير هو الصواب، فإنه متى تربت المرأة، وتعلمت أدركت قيمة الحرية الأدبية، فلاذت بها، ومن ثم لا تستطيع قوة بشرية أن تحرمها منها.
ومتى تمت وسائل التعليم والتربية للمرأة، لم يكن ثمة خطر عليها من رفع النقاب، ومخالطة الرجال، بل بالعكس، فإنها تشعر بما عليها وقتئذ من مسؤولية صيانة ذاتها، والمحافظة على سمعتها؛ لأنها تكون وهي سافرة الوجه معروفة لدى الجميع، وكل ما تأتيه من الأعمال ظاهر للعيان، فلا تتدنى إلى ما يشين اسمها، ويحط من قدرها، إلا إذا كانت ممن فطرن على الطيش، وقلة الحياء، وفي هذه الحال لا ينجح في علاج دائها نقاب، ولا يصون شرفها حجاب.
وقد تركت لبيبة هاشم إنتاجًا أدبيًا غزيرًا، شمل القصة والرواية والشعر، منها رواية "قلب الرجل" نشرت معظمها في مجلة فتاة الشرق، ومجلة الضياء.
وقد توفيت سنة 1370هـ - 1952م.