مــــا هــــذا يا ســــــــيادة الوزيـــــر؟!

عرفت دمشق سوق الأوراق المالية في خمسينيات القرن الماضي، إذ كانت جزءاً من سوق العصرونية، وسميت آنذاك (سوق البورص)، وشمل نشاطها 117 شركة، لكنها توقفت بعد التأميمات الشهيرة في عام،1965 إثر تحول النهج الاقتصادي إلى الاقتصاد الموجه. أما سوق الأوراق المالية الجديدة التي افتتحت في عام 2009 ، فقد جاءت بعد تنحية الاقتصاد الموجه. واختيار اقتصاد السوق نهجاً رسمياً للبلاد، وبعد حزمة من التشريعات التي شجعت الرساميل الريعية على تسيّد قطاعات الاقتصاد السوري.
الحكومة السابقة شجعت القطاع الخاص على تأسيس الشركات المساهمة التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام، ولا يجوز بعد تأسيس هذه الشركات المساهمة حسب تقدير الحكومة السابقة (أن ينحصر تداول أسهمها وأسهم غيرها من الشركات العالمية ضمن غرف مغلقة في مكاتب السماسرة).
عند افتتاح البورصة صدرت عن بعض مهندسي الاقتصاد تصريحات بالغت بدور البورصة في عملية التنمية، فأحدهم أكد أن (البورصة السورية ستكون أداة للتنمية، وستسهم في الخطة الاقتصادية والاجتماعية للدولة)! وآخر راح بعيداً جداً في تقدير أهميتها (إنه حلم داعب عقول السوريين طويلاً)!
لقد تحدث مهندسو الاقتصاد السابقين عن دور البورصة كوعاء للادخار والتمويل، ولم يتحدثوا عن دورها كساحة للمضاربات التي أدت في كثير من الأحيان إلى تخريب اقتصادات دول بأكملها، ومثال نمور آسيا حاضر في الأذهان. المضاربات تعني ببساطة شديدة أن ما يربحه مضارب في السوق يخسره مضارب آخر. وتلعب القدرة المالية، والمغامرة، وخبث المضاربين، دوراً هاماً في هذا المجال، ودروس الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة أكدت دور البورصات الكبرى واللاعبين فيها في تشجيع الاستثمارات المغامرة، وترويج السندات المضروبة.
لن نتوقف طويلاً عند (إسهامات) البورصة في عملية التنمية، والخطة الاقتصادية والاجتماعية للدولة بعد عامين على افتتاحها بعدد محدود من الشركات المساهمة والمصارف الخاصة، فهذا ما سنتناوله في مقالة قادمة، لكننا سنتوقف عند قرار مجلس الوزراء المتخذ منذ أيام، والمتضمن وضع نظام للصناديق الاستثمارية التي نص عليها المرسوم التشريعي رقم 55 المتضمن إحداث سوق دمشق للأوراق المالية.
وزير المالية أشار إلى أهمية إقرار نظام صناديق الاستثمار مؤكداً أن (هذه الصناديق هي أشبه بشركات مساهمة ووعاء استثماري يسمح لصغار المدخرين بتوظيف أموالهم بشكل جماعي في صندوق استثماري، يُكوّن محفظة استثمارية من الأوراق المالية المدرجة في السوق، وهذه المحفظة تراعي تحقيق عائد مادي مناسب ومخاطرة منخفضة بحيث يكتتب المدخر بحصة من رأسمال هذا الصندوق، أي أنه يشتري بآن واحد حصة من كل الأسهم التي قام الصندوق بشرائها).
يتابع وزير المالية الذي شغل سابقاً منصب مدير البورصة السورية
(مواطن يمتلك 50 ألف ليرة، وقام بشراء وحدات استثمارية في صندوق استثماري، وهذا الصندوق يشتري أسهماً من الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية بكامل الرأسمال، وبالتالي المواطن كمساهم يوظف أمواله لا في ورقة مالية واحدة وإنما في مجموعة أوراق يراعى عند اختيارها من قبل صندوق الاستثمار تحقيق عائد معقول، المخاطرة تكون فيها محدودة جداً).
ما هذا يا سادة؟ هل تشجعون من يمتلك مبلغاً متواضعاً من المال في هذه الظروف القاسية التي تمر بها بلادنا، على استثماره في المضاربة على الأسهم والسندات؟
هل انتهيتم من حل معضلات الاقتصاد السوري الذي أنهكته الرساميل الطفيلية خلال السنوات الماضية، بعد أن صالت وجالت في مضارباتها المالية والعقارية، وحشرت قطاعات الإنتاج الرئيسية في البلاد في زاوية ضيقة؟وكانت عاملاً أساسياً في زيادة إفقار الفئات الشعبية.
هل قلصتم الإجراءات التحريرية..الانفتاحية التي جعلت صناعتنا الوطنية ترفع الراية البيضاء؟ وهل سهلتم تمويل المشاريع الصناعية؟وهل أصلحتم قطاعنا الصناعي العام؟ كي تتفرغوا بعد ذلك للصناديق الاستثمارية في البورصة؟!
لماذا لم تدعوا المواطنين لشراء سندات الخزينة التي تتمتع بضمانة الدولة، والتي تعهدتم باستثمارها في مشاريع صناعية وإنتاجية، بدلاً من (اللعب) بمدخراتهم في المضاربات المالية وخسارتها في نهاية الأمر؟
والآن، هل تستطيعون إقناع الفئات الفقيرة والمتوسطة من أبناء الشعب السوري، وهم بالمناسبة يشكلون 80% من عدد السكان، أن البورصة.. وصناديقها الاستثمارية..والعدد المحدود من الشركات المصرفية والتجارية المساهمة فيها، هي أداة للتنمية، وستسهم في تحسين أوضاعهم المعيشية؟!

شكرآ استاذ عمار تحياتي لك