أجمل امرأةٍ في الوجود..
قد يطيب لك أن تسأل يا شحرور الغندور، يا من رافقني في الحل والترحال، عن مواصفات وأوصاف أجمل امرأة أحببت؟ وسأقول لك دون لف أو دوران: ليس هناك أجمل امرأة.. فكل من تحب جميل.. وكل من تعشق رائع.. بعيداً طبعاً عن الأوصاف التي تعارف عليها أصحاب علم الجمال، وبعيداً أيضاً عن عرض الأجساد واللحم أمام العيون في هذا السوق الذي يسمونه (انتخاب ملكة الجمال)، وبعيداً كل البعد أيضاً عن النظر إلى الأمور من ثقب الباب.. وصدقني يا شحرور أن الأجمل والأحلى والأروع هي تلك التي تأخذك من ذاتك لتذوبك مثل قطعة سكر في حضورها الآسر.. فمثل هذه الأنثى يا شحرور أجمل من جميلة لأنها تعطيك من الحب زهره، ومن العشق عطره، ومن الوجد سحره.
في البال يا شحرور امرأة، أخاف أن أذكر اسمها، فتقوم قيامة هذه أو تلك.. لذلك، وحتى لا أقع في شرك التحديد، فأصاب بما لا يسر من كدمات وما شابه، أقول لك يا شحروري الطيب:من أحبها تستطيع أن تحضر الصيف في الشتاء، والشتاء في الصيف.. تحضن قصيدتي فتخصب الكلمات وترقص الحروف.. تهمس في أذني فيتحول كل شيء في جسدي إلى لاقط يريد أن يشرب عسل الكلام.. وأجمل خصلة في تلك التي أحب أنها تعرف تماماً متى يكون حضورها أروع حضور في الكون، ومتى يكون غيابها دافعاً ضرورياً لإشعال كل كريات الدم بالشوق والاشتياق والحنين.. أتدرك الآن كيف تكون التي أحب أجمل امرأة في الوجود؟
هز الولد شحرور رأسه بأسف وصاح: تبقى من جيل الخيالات والأحلام والشرود مع أفكار ما أنزل الله بها من سلطان.. أي حب هذا وأي جمال؟ يا صاحبي الحب الآن ليس كما تقول، والجمال ليس كما تصف.. فما عاد هناك شاب يتعذب، وصبية تعد النجوم.. شباب اليوم مسكونون بالسرعة.. الواحد منهم يحب عند الصباح، ويكتب قصيدة هجاء عند المساء.. والصبية تغمز هذا، لتضحك لذاك.. والجمال الذي تتغنى به قد يكون نتاج علبة صغيرة حافلة بالألوان والأصباغ والرموش المستعارة.. حتى لون العينين صار مرهوناً برغبة الفتاة.. فأي جمال يا صاحبي.. وأي حب يا رجل؟ هذا زمن (الهمبرغر) كل شيء فيه سريع ومعلب.. فكيف تُحوِّل كل هذه الأمور إلى قصيدة أو أغنية أو حلم.. ثم تقول لي: أجمل امرأة في الوجود تلك التي تحب.. كأنك من العصر الحجري!
هكذا هي ثورات شحرور الغندور.. تقوم قيامته ولا تقعد.. يفسر الأمور كما يشاء.. قلت: اسمع يا شحرور.. هل تؤمن فعلاً بما تقول؟ أيمكن أن يتحول الحب عندك إلى هذا الشكل الهلامي.. ألا تقسو على شباب اليوم حين تحولهم إلى مجرد قشة في مهب الريح، وكأنما لا رأي لهم ولا إحساس أو مشاعر.. يا رجل حرام.. لا تضع كل البيض في سلة واحدة.. كثيرون هم الشباب الذين مازال عندهم هذا الحس الإنساني الرائع.. وكثيرون هم الشباب الذين لا يمكن أن يفقدوا بوصلة الأمان.. فلماذا حولت كل شيء إلى هذا الشكل الغريب العجيب من التفاهة، وكأننا نعيش في صحراء قاحلة لا تحمل زهرة واحدة من أزهار الخصب والجمال والمشاعر؟ حسب اعتقادي، الشباب، أو الكثير منهم على أقل تقدير، مازالوا بأحسن حال.
تنهد الولد شحرور الغندور وقال: لماذا حورت كلامي؟ هل تريد أن تستميل قلوب الشباب وأفكارهم إليك بهذه الطريقة؟ كأنني قلت لك إن شباب اليوم صخر أو حجارة.. لا تحرف يا صاحبي.. ما قلته لك محدد، وما قصدته واضح.. و لا داعي لأن نضع البيض أو الباذنجان في سلة أو كيس، فنحن نتحدث عن الجمال والحب، ولا نبيع في بقالية. أيها الصاحب الكاتب الأمر واضح.. هناك تغير في إيقاع الزمن.. في شكل النظر إلى الأشياء. ليس في هذا مخالفة لأي قانون من قوانين الطبيعة.. كل شيء يتطور، فهل تريد من شباب اليوم أن يركبوا على الجمل، وأن يقفوا أمام الأطلال ليبكوا على التي غادرت الحي؟ يا أخي هذا غير واقعي في زمن الطائرة والصاروخ والذرة والكمبيوتر والإنترنت.. لماذا لا تريد أن تكون واقعياً يا رجل؟ كفاك مكابرة.
قلت: لا أستطيع يا شحرور أن أكون واقعياً بالشكل الذي تريد.. هذه ليست واقعية.. إنها حالة اغتيال للمشاعر والإحساس والجمال.. أن أكون واقعياً، لا يعني أن أذبح مشاعري وأريق دم إحساساتي.. إذا كانت الواقعية كذلك، فأنا أرفضها وأصر على رفضها.. يصعب أن نتفق يا شحرور في هذه المسألة.. وحسب اعتقادي على الآخرين أن يحسموا مسألة الأخذ والرد بيننا.. وأن يدلي كل واحد منهم بدلوه.. فهلا فعلتم؟