يساهم قطاع الثروة الحيوانية في سورية بحدود 34% من مجمل الإنتاج الزراعي، لأنه القطاع المسؤول عن توفير الحاجات المتزايدة للمواطنين من البروتينات الحيوانية، وتزويد المنشآت الصناعية بالمواد الأولية اللازمة للصناعات الغذائية كالألبان ومشتقاتها، واللحوم، والجلود وغيرها. كما أن تربية الحيوان بحد ذاتها هي من النشاطات المعروفة منذ القدم للأسر الريفية والبدوية والتي تساهم في تأمين فرص عمل لعدد كبير من المواطنين، وزيادة مصادر الدخل لديهم، إضافة إلى أهمية هذه المنتجات وما تتمتع به من ميزة نسبية تصديرية عالية القيمة تساهم في تأمين القطع الأجنبي.
يعمل في هذا القطاع الاقتصادي الهام نحو 11% من إجمالي اليد العاملة، كما تمتلك معظم الأسر الريفية في سورية العديد من الأنواع الحيوانية الزراعية التي تربى على هامش المزرعة وتؤمن المصدر الرئيس للغذاء لأفرادها.
ترتكز أنشطة تربية الأغنام، والأبقار، والماعز، بصورة رئيسية على إنتاج الحليب ومشتقاته، واللحم الأحمر والصوف والشعر والجلود. وبنسب أقل على تربية الجواميس والجمال، إضافة إلى تربية الدواجن (الدجاج والحبش والحمام والإوز والبط والأرانب والأسماك) لإنتاج البيض واللحم الأبيض. وتتركز معظم الحيازات الكبيرة وخاصة الغنمية منها في مناطق البادية، أما الأبقار فتربى في مزارع متخصصة حكومية أو خاصة، وتربى بأعداد قليلة لدى مربي الثروة الحيوانية.
وإذا بحثنا ميدانياً في أعداد الثروة الحيوانية منذ عام 2000 ولغاية 2005 نجد سلسلة تطور أعدادها (الجدول).
من خلال الجدول المذكور أعلاه، نلاحظ أن تزايد أعداد الأغنام بلغ برقم قياسي 5,145%، وكذلك بحدود 110 % للأبقار، و123% للماعز. وإذا دخلنا أكثر في أماكن وجودها في عام 2005 على مستوى المحافظات السورية، نجد أن أكثر أعداد الأبقار موجودة في المحافظات وحسب التسلسل العددي عام 2000 في (دير الزور، ريف دمشق، حمص، الحسكة، حلب، طرطوس، اللاذقية، إدلب، درعا، الغاب). وللأغنام في المحافظات وفق أعدادها لها في (حلب، دير الزور، حمص، الحسكة، الرقة، حماة، ريف دمشق، إدلب، درعا السويداء). أما الماعز فنجده موزعاً بين محافظات (حلب، ريف دمشق، الحسكة، دير الزور، حمص، الرقة، درعا، السويداء، حماة، اللاذقية، الغاب، طرطوس، القنيطرة). وبالرجوع إلى عام 2005 نجد أن توزيع الأبقار اختلف عن سنة الأساس في تكاثرها بحيث أصبحت المحافظة الأولى (دير الزور بدلاً من الحسكة، ويأتي بعدها ريف دمشق وحمص ثم الحسكة، لتأتي حلب وحماة وإدلب والغاب واللاذقية ودرعا). نلاحظ كيف اختلف التوزيع العددي لعوامل يمكن مناقشتها لاحقاً، وبالعودة إلى الأغنام نلاحظ أن المحافظة الأولى أصبحت دير الزور ثم حلب ليأتي بعدهما حمص والرقة والحسكة، وحماة وريف دمشق، وإدلب، ودرعا والسويداء والقنيطرة والغاب. أما الماعز فنجد أن ريف دمشق تقدمت على حلب وأصبحت الرقة في المرتبة الثانية وحلب في المرتبة الثالثة، لتأتي بعدها الحسكة وحماة وإدلب وحمص والسويداء التي تمتلك الماعز الجبلي بكثرة لطبيعتها وتضاريسها، ثم تأتي دير الزور ودرعا والغاب وطرطوس والقنيطرة.
تلك المؤشرات الرقمية تجعلنا أمام مسؤولية في تنمية هذا القطاع وتطويره، لأنه يساهم مساهمة جيدة في رفد الإنتاج المحلي من المنتجات الغذائية، وفي حصة الفرد من البروتين، وبالتالي في تحقيق الأمن الغذائي.
وعلى الرغم من دعم الدولة بين الحين والآخر مربي الثروة الحيوانية في سنوات الجفاف، إلا أنها تبقى بحاجة إلى المزيد من الدعم لتنمية أعدادها وتطوير مستلزمات إنتاجها، وذلك بوضع استراتيجية عامة لها تتمثل في زيادة الكميات المتداولة في المواد العلفية وتصنيعها، وتسعير تلك المواد حسب قيمتها الغذائية وبما ينسجم مع أسعار الأسواق العالمية، مع الاهتمام بتصنيع الأعلاف الخضراء بأشكالها المتعددة (دريس، سيلاج)، والعمل على تصنيع علائق متوازنة ومتكاملة القيمة الغذائية بأشكال متعددة ومتنوعة وبيعها لمربي القطعان السرحية.
إن غنم العواس يعدّ أفضل الأنواع الغنمية في العالم، وذلك نتيجة تأقلمه مع ظروف الجفاف، ونكهة لحومه العالية والمرغوبة في المنطقة العربية، إذ يفضله المستهلكون على بقية لحوم الأغنام الأخرى. كما أن الماعز الشامي يمتاز بقدرته الإنتاجية العالية من الحليب، ويمتاز أيضاً بصفاته الشكلية الجميلة، الأمر الذي جعل العديد من مربي الثروة الحيوانية في سورية والمنطقة العربية يقتنون الماعز الشامي لديهم، للميزات المذكورة، أما ميزة الأبقار الشامية المنحدرة من غوطة دمشق وانتشرت تربيتها في مختلف المناطق السورية خاصة في ريف دمشق والحسكة والغاب ودير الزور، فتتمحور أهميتها في ملاءمتها للظروف البيئية والمناخية ومقاومتها للأمراض ونسب الدسم في حليبها.
وهذا يتطلب مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تشكل عاماً مساعداً في تطوير تربية الثروة الحيوانية وزيادة مساهمتها في الدخل الوطني من خلال
- وضع استراتيجية متكاملة تضمن حفظ الموارد في البادية وإدارتها وتنظيم استثمارها وإعادة تأهيل غطائها النباتي.
- العناية بالمخلفات الزراعية والصناعية الزراعية المستخدمة، ورفع قيمتها الغذائية وتصنيعها، الأمر الذي يقلص حجم الفجوة العلفية الحاصلة.
- تنمية زراعة الأعلاف البقولية الخضراء أو الحبوب وتصنيعها.
- تصنيع المواد العلفية الجاهزة والخشنة والبقايا بأنواعها بعد رفع قيمتها الغذائية يجعل عملية نقلها اقتصادية نظراً لضغط حجمها، وسهولة نقلها، وتداولها، وتصنيعها على شكل مضغوطات وأعلاف متكاملة.
لعلنا نتساءل إذا كانت أعداد الثروة الحيوانية تتزايد وتساهم بأعدادها في زيادة الصادرات، ولم نتطرق في مقالتنا إلى منتوجاتها، وهي التي تحظى بميزة نسبية في نسب الدسم والدهن والبروتين والتي سوف نخصص لها مساحة لاحقة، ألا تستحق تلك الثروة أن تكون البديلة عن الذهب الأسود الذي يجلب إلى المنطقة العربية الويلات من الأطماع الغربية، ونحن اقتصادنا زراعي دون منازعة.
المراجع
المجموعة الإحصائية الصادرة عن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لعام 2000.
المجموعة الإحصائية الصادرة عن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لعام 2005.
الموازنة العلفية في الجمهورية العربية السورية الصادرة بالتعاون بين وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والمركز العربي للدراسات الجافة والقاحلة (أكساد).
معين حمد العماطوري