تصدرت مفاعيل الأزمة في سورية خلال الشهرين المنصرمين واجهة المشهد السياسي والإعلامي، وعمّ القلق والترقب والتساؤل عن مخرج قريب لها أطياف المجتمع السوري، وزاد التجييش الإعلامي غير المسبوق، وغير المستند لمعطيات واقعية، في ضبابية المشهد وغموضه، وجاءت العقوبات المتسرعة من الاتحاد الأوربي والإدارة الأمريكية لتكشف درجة تصاعد الضغوط وسوء النوايا المبيتة ضد قرار سورية المستقل ووحدة شعبها. لكن وعي شعبنا ويقظته وصبره ووطنية السوريين في الجبهة أو في المعارضة الوطنية السلمية أو في المغتربات، أظهرت تمسكاً بالإصلاح لأنه حاجة يفرضها التطور، وتمييزاً بين المطالب المشروعة المعلنة بوسائل التعبير السلمي المختلفة، وبين أعمال التخريب والتعديات المسلحة على رجال الشرطة والجيش، والتي أريد منها أن تربك الدولة وتعيق خطوات الإصلاح المرتقبة.
وظهرت بعض بوادر الانفراج في الأزمة، من خلال مجموعة من المتغيرات التي حدثت مؤخراً، أولها بدء تفهم عربي لعناصر الأزمة، وخروج من حالة الصمت والانتظار والانكفاء، إلى إبداء درجة من التفهم والتضامن، وظهر ذلك في لقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم بالسفراء العرب والقائمين بأعمالهم في سورية في مقر إقامة السفير القطري، والمشاعر التضامنية التي أبداها السفراء بعد أن استمعوا إلى تساؤلات الوزير المعلم عن الدور العربي في هذا المنعطف الصعب الذي تمر به سورية، وإلى عتبه على تأخر العرب في إبداء مواقفهم، وتذكيره للسفراء بأن الجميع معرضون لأزمات مماثلة، وسورية لم تتأخر يوماً عن مساعدة أشقائها. وأكد الوزير المعلم أثناء اللقاء أن سورية قادرة بوعي شعبها على تجاوز الأزمة.
والمتغير الثاني ذو الدلالة على إخفاق خطة عزل سورية جاء من موقف وزراء خارجية دول عدم الانحياز في اجتماعهم الأخير وتضامنهم مع سورية، ورفضهم التهديدات والعقوبات والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لهذا البلد، وهو موقف لا يفاجئ أحداً، لأن دور سورية داخل المجموعة كان دائماً فاعلاً ومسانداً لقضايا الشعوب العادلة ومندداً بأي تهديدات أو تدخلات خارجية وبأي انتهاكات لسيادة أي من هذه البلدان.
والمتغير الثالث الذي أعاد ترتيب الأوراق إقليمياً في المنطقة برز في موقف إيران من التحولات الدرامية الأخيرة في الأزمة وبروز خيوط من مقدماتها وأهدافها، وتأكيدها أن التدخل في الشؤون الداخلية لسورية أمر غير مقبول، وأن الشراكة بين كل من البلدين وسورية هي شراكة استراتيجية قائمة على الاحترام والنفع المتبادل.. وفي موقف تركيا التي نتوقع أن تعيد النظر بما صدر سابقاً عن مسؤوليها من تصريحات ومواقف.
وجاء الموقف الروسي الواضح والحازم في قمة الثماني بفرنسا ليحبط المحاولات الأوربية المدعومة أمريكياً، التي هيأت لمشروع عرض ملف إدانة سورية على مجلس الأمن، إذ جرى التأكيد أنه لا مبرر لهذه الخطوة، وأن سورية ماضية في إصلاحات جدية، كما جرى التحذير من استمرار تجاوزات قرار مجلس الأمن 1973 بشأن ليبيا. وهذا الموقف الروسي المتوازن ذكّر الحلف الثلاثي الجديد الأمريكي البريطاني الفرنسي أن اللعب المتفرد واستخدام القوة دون تفويض دولي واضح في منطقة الشرق الأوسط ذات الخصوصية والتعقيدات والتشابكات العديدة أمر غير مقبول.
ونعتقد أن هذه التطورات جميعها توضح أن أطياف الشعب السوري تعي حجم الضغوط التي تعرضت لها سورية منذ احتلال العراق عام ،2003 وتعي حجم المسؤولية التي تحملتها سورية تجاه أمن شعبها والدفاع عن أمن جيرانها، وتعي تبعات السياسات الوطنية المستقلة في عالم يعاد تشكيله بلغة الاستقواء والهيمنة، وإعادة كثير من الدول والمناطق الحيوية إلى دائرة التبعية من جديد، وهي تتمسك بحقوقها في تحرير الجولان والحفاظ على سيادة تراب الوطن.
ونرى أن التأخر في برنامج الإصلاحات والتردد في تنفيذ الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتغليب المعالجات الأمنية على المبادرات الشعبية والسياسية والاجتماعية، قد وسّع دائرة القلق حول مدى جدية السير بنهج الإصلاح وتوسيعه، وأفسح في المجال لمناخات التذمر والاحتجاج أو السلبية والانكفاء والفرجة.
ونرى أن طريق الإصلاحات وتلبية مطالب الشعب المشروعة تحتاج إلى جهود جماعية ومشاركة جدية واسعة من القوى الوطنية جميعها، كي تصبح سالكة ومأمونة
المحرر السياسي