مصر... انتفضت . !!

مصر... انتفضت .!!

لن
يكون أي شيء في مصر، بعد 25 كانون الثاني ،2011 كما كان قبله. فهذا هو
اليوم الذي سيُدخِل المنطقة التاريخ من أوسع أبوابه، هو يوم الانتفاضة
الكبرى... يوم النهوض، يوم الثورة الشعبية، سمّها ما شئت، لكنه اليوم الذي
رُدَّت فيه الروح إلى ملايين المصريين بل والعرب أيضاً.
إنه اليوم الذي طُويت معه أيام وليالي الانكسار والقهر الطويلة التي
عاشتها أرض الكنانة، والتي ظُن معها أن الثورة والصحوة والقيامة والنهوض،
قد أصبحت مفردات قديمة، أو (لغة خشبية) كما حلا لبعض المنهزمين أن يرسخوها
في أذهاننا طوال عقود من الزمن.

وجاءت القارعة... وإذا بالملايين من المصريين يجتاحون شوارع القاهرة
والإسكندرية والسويس والإسماعيلية والعريش، وغيرها من المدن المصرية التي
ذاع صيتها في تاريخ الكفاح الوطني المجيد ضد الاحتلالات الفرنسية
والإنكليزية.
شباب وشابات في عمر الورود، أعطوا إشراقة الحياة لهذا النهوض العظيم، الذي
قال للعالم إن إرادة الشعوب لا تقهر، وإن الليل، وإن طال، فسوف تعقبه
الشمس.
الأحداث تتوالى، ليس يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، وهي تحمل أخبار
الشعب المنتفض، الذي يأبى أن تتوقف انتفاضته، قبل رحيل الطاغية ونظامه،
الذي استباح كرامة مصر والعرب في علاقته المشبوهة مع الولايات المتحدة
وإسرائيل، والذي جعل من معاهدة الصلح الاستسلامي التي أبرمها السادات من
قبله في كامب ديفيد إماماً له، فأخرج مصر بكل ثقلها من ساحة الصراع العربي
الإسرائيلي، وحوَّل دورها من دور محوري عربي قائد، إلى دور هامشي تابع.
وانتشر الفساد في عهده حتى أصبح السمة الأساسية له. كما ازداد الفقر
بمعدلات مذهلة، فأصبح أكثر من 40 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، الذي
يتحدد بدولارين في اليوم، وارتفعت معدلات البطالة، وأغلقت العديد من منشآت
القطاع العام، وبيعت أو خصخصت أهم هذه المنشآت بأبخس الأثمان، لصالح
بورجوازية طفيلية مافياوية استحوذت على نسبة عالية من الدخل القومي، كما
أصبحت تشكل العمود الفقري للسلطة السياسية وللحزب الوطني الحاكم.
ولم تكن هذه الانتفاضة وليدة ساعتها، إذ سبقتها سلسلة من الإضرابات
العمالية التي بلغت المئات على الرغم من محاولة السلطة تدجين الحركة
النقابية والسيطرة عليها، واستعمل قانون الطوارئ لقمع الحركة الشعبية،
وزُوّرت انتخابات مجلس الشعب تزويراً فاضحاً على الرغم من محدودية الدور
الذي كان يلعبه هذا المجلس أصلاً.
لقد جاءت الانتفاضة المصرية، ورياح ثورة الياسمين الشعبية في تونس تفوح في
أرجاء الوطن العربي، لتشكل معها محطة نوعية جديدة في حياة حركة التحرر
الوطني العربية، التي ستنتقل بلاشك إلى مرحلة أعلى، منهية بذلك مرحلة عمّ
فيها التخاذل والاستسلام، إلى مرحلة التصدي الفعال للمشروع الأمريكي
الصهيوني في المنطقة، وستكون سنداً قوياً لصمود سورية والمقاومة في كل من
فلسطين ولبنان والعراق. ولعل ذلك أشد ما يقلق الإدارة الأمريكية التي
أظهرت براعة فائقة في التبرؤ من حلفائها وأتباعها في لحظات تأزمهم وترنح
أنظمتهم، وها هي ذي الإدارة الأمريكية اليوم تستنفر كل قوتها في عملية
تحضير البديل عن النظام المصري الذي اهتزت الأرض من تحته.
ومهما تكن النتائج، سواء قدم الأمريكان بدائل عسكرية عن النظام الحالي، أو
أسعف الزمن حسني مبارك بطاقم عسكري يحاول قمع الانتفاضة أو استيعابها
وإجهاضها، فمن المؤكد أن نهجاً ما قد سقط، هذا النهج المتمثل بالتنكر
للمصالح الوطنية والقومية للشعوب العربية، والارتهان للإمبريالية
العالمية، وقمع الشعب وفرض نظام ديكتاتوري عليه، وإدارة الظهر للمصالح
المعيشية للناس، واستشراء الفساد والإفساد ونهب الأموال العامة وتعميق
الاستقطاب الطبقي.... كل هذا النهج قد أفلس، كائناً ما كانت الألاعيب
والمؤامرات التي تحاك الآن لإيجاد البديل عنه، وكائناً ما كان هذا البديل،
فإن مصر ستعود إلى دورها العربي الطليعي، وليل الأتباع والطغاة والفاسدين
إلى زوال.
النور