الثورة التونسية كانت نظيفة, نقية , طاهرة, لا يشوبها دنس ولا شوهتها الشبهات. الشعب اخذ مصيره بيده. وقد كان التونسيون على موعد مع التاريخ. سكتو وصبرو طويلا ثم انفجرو فأبهرو العالم. ثورتهم كانت رائعة. شكلا ومضمونا. اسقطو ابشع دكتاتورية في العالم العربي, دون مساعدة احد. بل تمكن التونسيون من تقرير مصيرهم بأيديهم, دون اللجوء الى الدولة الوصية فرنسا او بالاحرى تللك التي تعتقد نفسها كذللك.
وقد لاحظنا خلال اسبوعين من الاقتتال, بعد انتحار الشاب البوعزيزي بسيدي بوزيد, غيابا مذهلا للاعلام الفرنسي وللساسة الذين غالبا ما يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة عندما يتعلق الامر بمستعمراتهم السابقة.
لكن الاحداث فاجات الاليزي وقرطاج, على حد سواء. كلاهما لم يستوعب رسالة الشارع التونسي المدوية من الجنوب حتى الشمال. بدأت بشعارات اجتماعية ثم تصاعدت لتصبح المطالب سياسية. ثورية. فأسقطت الحاكم الظالم واسقطت معه اسطورة النفوذ الخارجي.قد نذكر ما حدث في الجزائر خلال احداث اكتوبر 1988. فعندما اشتد الخناق على حكومة الشاذلي بن جديد تحرك الاعلام الفرنسي بقوة وصب كيلا من الزيت على النار. ثم عاد على عقبيه وتدخلت حكومة ميتران وعادت البواخر المشحونة بالمؤونة الى الموانئ الجزائرية وانقذت فرنسا النظام من السقوط الوشيك. وجيء باصلاحات ليست في الاصل اصلاحات.لكن الوضع يختلف في تونس, لان وراء الاحداث محركا, يتمثل في النقابات العمالية, التحقت بها بعض الاصوات من المعارضة. لكن تللك الاصوات لا تمثل تيارات سياسية عميقة بامكانها الاخذ بزمام الامور. ذللك ربما ما جعل بقايا النظام السابق تجد مجالا للمناورة في تطبيق مبدأ " نحن أو الطوفان و "وقد تتلاحم المطالب والطموحات لتاخذ الثورة التونسية مجراها الطبيعي في الاتجاه السليم فتنهي عهدا كان يرمز الى القرون الوسطى. لكن الجديد فيها. وهذا اساسي في القراءة الواقعية لما حدث. ان الطرف الخارجي كان مغيبا. اذ قامت ثورة شعبية شبيهة بتللك التي اسقطت حائط برلين وشاوسيسكو و ويروزالسكي وغيرهم, في غياب كامل لليد الخارجية التي عودتنا على خلط الاوراق عندما تتعرض مصالحها للخطر. فلم نجد لا رائحة الولايات المتحدة و لا رائحة فرنسا واسرائيل وايران ووزيرستان... الشعب التونسي استجاب لنداء التاريخ فكان عظيما.