الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع بل وفي الحضارة الإنسانية, وكلنا يعلم بأن الأسرة هي أساس الحضارات والمجتمعات الحالية فبلا هيكلية الأسرة المؤلفة من الأب والأم والأولاد وما يستدعي ذلك من علاقات متبادلة أساسها الإحترام المتبادل مع وجود السلطة العليا ضمن كيان الأسرة, سلطة الأبوين نحو الأولاد, وسلطة الأخ الأكبرعلى بقية الأشقاء, وتتدرج السلطة بين الأخورة تنازلياً حتى نرى بأن آخر العنقود لا سلطة له بل عليه الإطاعة وأحياناً يحاول فرض سلطته على الحيوان المدلل الذي يعيش مع الأسرة, وحتى في هذه ليس له حظ فسرعان ما سيلقى توبيخاً ممن يكبره سناً, ولا ننسى أن سلطة الأب وعلى مر التاريخ كانت سلطة نظرية فصاحب السلطة كان ولا يزال وسيبقى العنصر الأنثوي في هذا الكيان وبالتحديد الأم, وهذا معروف في المجتمعات البدائية, ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا فكم من رجل يهابه من حوله وفي بيته الكلمة الأولى والأخيرة هي للزوجة, وحتى كان هذا موجوداً في المجتمعات المصرية الموصوفة في روايات نجيب محفوظ ومصطلحات سي السيد الذي ورغم سلطة هذا السيد فإن شؤون البيت لا تسير إلا بإرادة الزوجة.
ومع التطور, فقد اندمج مفهوم الأسرة الصغيرة ضمن مفهوم الأسرة الكبيرة أو المجتمع, وبتنا نسمع بنظريات اجتماعية تتناول المجتمع ككل أو كخلية, وأن المجتمع هو أساس الدولة ككيان سياسي, وبظهور الدولة بات تنظيم المجتمع أمر أساسي بغاية تأمين الحاجات الأساسية والتقليدية وحتى الكمالية ضمن حدود الإقليم والموارد المتوافرة. وصار على عاتق الدولة مهام جسيمة لتحقيق الإستمرارية والتقدم لمجتمعها الذي هو أساس وجودها فلا دولة بلا مجتمع, وكان هذا يستدعي حماية المجتمع من كافة الأخطار الخارجية والداخلية فظهرت القوانين الجزائية لمعاقبة كل من يهدد أمن المجتمع من أي فعل جرمي داخلي أو خارجي, ومؤخراً ومع ترسيخ مفاهيم الدولة الإجتماعية ومفهوم دولة القانون باتت الحكومات تركز على حماية المجتمع عبر رفع مستوى الصحة والخدمات الإستشفائية وحق التعليم, وحق العمل وحرية الرأي وغيرها الكثير من الحقوق الإجتماعية والسياسية والإقتصادية.
لكن هذا كله, ورغم أهميته فقد تم إغفال الإهتمام بأمن الأسرة ككيان أولي في تشكيلة الدولة, ورغم بعض الإهتمامات التي نراها هنا وهناك لرفع مستوى الأسرة وتحسينه لكن كلها محاولات فردية حتى ولو تبنتها جهات حكومية, وهذا ما أدى إلى تصدع وظهور تشققات خطيرة في بنية الأسرة, والخطير أنه إذا تم إهمال الواجب الديني الساعي للمحافظة على الأسرة فهذه بداية خطيرة لا نعلم عقباها, فرجالات الدين باتوا يهتمون بالأسرة نادراً ويركزون خطاباتهم على الصلاح الفردي, وكما قلت فجهود الدولة باتت تتركز على المجتمع ككل ونادراً ما توجه جهودها نحو الأسرة, ويجب ألا ننكر ماقامت به الدولة ككيان قانوني من جهود نحو حماية الأسرة. لكن عملية التطور العالمي للدول والمجتمعات باتت تلقي عبئاً كبيراً جداً على عاتق الحكومات فمنها من استطاع تحقيق حماية للأسرة ومنها لا يزال متعثراً ومنها لا يزال لا يميز بين مفهوم الأسرة ومفهوم المجتمع, ونحن هنا يمكن تصنيفنا في المرحلة المتوسطة المتجهة للحماية المثالية للأسرة, ومع ذلك فهناك مصاعب وعقبات تجعل عملية حماية الأسرة السورية لا تسير بذات المستوى الذي تسعى إليه القيادة الحكيمة في سورية.
والواقع يشير إلى أن أية أسرة بل ومعظمها تعيش على الأسلوب التالي: الأب يغادر صباحاً ولا يعود إلا في ساعة متأخرة بسبب غلاء المعيشة والحاجة للجمع بين عدة أعمال, وهذا الأب يتحمل المسؤولية ولا يتعاون مع الدولة, فعندما يعود للمنزل يمارس ما بقي من وقته مستيقظاً ساعياً للإنجاب, وهذه كم سنة وستصبح الأسرة فريق كرة قدم, والأم ترهل جسدها وهبط وتدنى مستوى صحتها بسبب الإنجاب, ونادراً ما تجدها عضواً منتجاً في المجتمع رغم جهود الدولة لتطوير المرأة وتأمين العمل المناسب لها في شتى المجالات, وكم تسعد الأم حالياً بأن بطنها لا يقف عن الإنجاب فهي خلقت لهذا الغرض, وهنا نعود لمشكلة الوعي الإجتماعي والأسروي, ومهمة التوعية تقع على عاتق الدولة وعلى عاتق كافة رجالات الدين لأي دين أو مذهب, فحينما يركز الخطباء على ملاحم الماضي دون عكس ذلك على الواقع فالمتعبد سينسى ما سمعه من ملحمة في مكان العبادة ويعود لمنزله ليفكر في متابعة روتين حياته, ولا ننسى أن غلاء المعيشة وتدني الرواتب والأجور سبب أساسي للفتك بأمن الأسرة, وبات أولادنا يربون على ما يسمعونه وما يرونه من قنوات تلفازية مخصصة وموجهة لهدم كيان الأسرة, وثقافة البلوتوث والحواسيب وصالات المحادثة والإنترنت بات متنفساً للأجيال الصاعدة نحو البحث عن الذات.
والأغرب من هذا أن ذات الجهات الرسمية التي تحاول حماية الأسرة السورية تجدها مهملة في جانب آخر يفتك بذات الأسرة وإليكم أمثلة على سبيل الإستئناس, فكم من قانون يمنع بيع ومعاقرة الخمور, لكن مسلسلاتنا السورية باتت الخمور فيها أمراً طبيعياً ومقاطع النايت كلوب في المسلسلات والأفلام السورية والمصرية باتت طبيعية, والأسوء من هذا أن قانون منع التدخين الذي يعتبر ثورة قانونية حقيقية يوازي ما تصنعه الآن الدول الأوربية نراه أشد البعد عن التطبيق فكم من مسلسل سوري أو مصري التدخين والسجائر لا تنزل من فم بعض الممثلين؟؟ أفلا تستطيع وزارة الإعلام مطالبة كافة الشركات المنتجة بعدم عرض أي مقطع يخل بأمن الدولة السورية أم أن هذا فيه اعتداء على حركة المسلسلات التي فيها الملايين من الليرات السورية والتي لا تستفيد منها دائرة الضرائب إلا بالنزر القليل جداً فمن سيصرح من ممثلينا برواتبه الحقيقية, وهو يعلم بأنه لو دفع ما عليه سيعود مبلغ الضرائب في النهاية نحو رفع مستوى حماية أمن الأسرة في سورية. ناهيكم عن مسلسلات الجرائم وتسهيل الجرائم ومسلسلات الفضائح الأخلاقية والزنا والرفاهية والسيارات وحياة الهاي لايف كل هذه تشكل عناصر هدامة لأمن الأسرة السورية. ونحن لازلنا بخير بالمقارنة مع أمن الأسرة اللبنانية والمصرية والعراقية والمغاربية (وليس فقط المغربية).
وهنا لا تزال لدينا العديد من الفرص لإعادة خلق استراتيجية فورية لإعادة التركيز على أمن الأسرة السورية ويكون هذا عبر الإستفادة من ذوي الخبرة, ويكفي للسلطات الرسمية في سورية أن تشاهد الفعاليات الإجتماعية الأسروية التي تدعمها وبشكل يومي السيدة الأولى عبر زياراتها الميدانية لكل مكان فيه فعالية تمس المجتمع والأسرة من نقابات إلى مشافي إلى دور حضانة ودور رعاية اليتامى, ولا ننسى الأسس التي يرسمها لنا قائد الوطن الدكتور بشار الأسد حفظه الله عبر توجيه كافة السلطات وكافة المواطنين بأهمية الأسرة, وكم من مرة شاهدناه في أماكن عديدة في سورية مع أسرته ليعكس أهمية إتحاد الأسرة مع بعضها وكم من زيارة ميدانية لأسر فقيرة ومتوسطة في سورية, ومن هنا يتوجب على كافة المسؤولين تعلم العبر والحكم التي يرسخها قائد الوطن في حماية أمن الأسرة السورية, فأمن الأسرة السورية بحاجة اليوم قبل الغد لكل إهتمام ورعاية قبل أن تصبح الأسرة منحلة ومتشابهة مع مانراه في الأسرالأوربية الغربية حيث أصبحت الحرية الجنسية للزوجين أمراً مباحاً, والإبنة تعود لبيت أهلها عند ساعات الشروق الأولى من فجر كل يوم والإبن يعود للبيت مصطحباً الغيرل فرند والمخدرات والمسكرات, ويتفاخر الأولاد بتعدد العلاقات الجنسية قبل الزواج ويصبح مفهوم العذرية عيباً, وأمور كثيرة نحن حتى الآن بعيدين عنها لكن سائرون نحوها للأسباب التي ذكرتها أعلاه. إذاً أيها المسؤولون و يا رجالات الدين و يا أيها المحبون لوطنكم سورية هبوا نحو العمل الحقيقي لحماية أمن الأسرة السورية قبل فوات الأوان.
منتدى الرآي الحر