في يوم جميل كنت امشي في شارع طويل..المستقبل يترامى أمامي...وحولي...
وكذلك الماضي كان هناك...لكن اليوم كنت أرغب أن اسير للأمام وأعيش "الآن"..
وأرى الاشياء الجميلة في الحياة.
استطيع ان اتمتع بالنسيم البارد العليل...والغيوم القطنية في السماء الزرقاء وأشعة الشمس التي تنعكس على زجاج البيوت والسيارات...
بعض الناس يمشي...وآخرون يركبون الدراجات...يتحدثون ويضحكون فرحين بعد نهاية العمل....لقد جعلوا ذلك المشهد جميلا و موحياً بالسلام...
لقد فاضت الفرحة في قلبي لأنه كان اخر يوم في العام...شعرت بامتنان كبير لنعمة الحياة التي وهبها الله لنا...
رأيت ابا يمسك ابنه بقوة...رأيت في وجه الاب البهجة والحيرة..ينظر بعيدا خلف الافق الى العالم الجديد المرتقب...لقد كانت بداية البداية....بتأثير ذلك المشهد أحسست بالدموع تتجمع في عيني...
رأيت رجلا جالسا على صخرة...ينظر الى بعيد...لقد بدا حزينا بائسا...هبت نسمة لتحرك اوراق شجرة فوقه في ذلك المشهد المتوحد.
تذكرت وقتها كل اللحظات عندما كان الحزن واليأس هما رفيقي الوحيدين....
تمنيت له الخير في قلبي....وحمدت الله على ما انا فيه...وتابعت السير...
رأيت شابا يصلح دراجته وفتاته بجانبه...مررت بالقرب بهما...نظرا الي فابتسمت وقلت "عام سعيد"....فضحكا وردا عليي بالمثل...انها مواقف بسيطة لكن في لحظة ما نصبح واحدا و متوحدين مع هذا الكون الرائع الذي يخطف الانفاس....
رأيت امرأة عجوز تتكئ على عمود في الشارع....تنظر في زمان آخر...انها لا تبدو سعيدة..ولا تبدو حزينة...انها فقط تتأمل في الماضي...او ربما المستقبل.
تسائلت عن عمرها وعن السنين التي امضتها في هذا العالم..عن الاشياء المدهشة التي شهدتها...عن الزمن الطويل الذي يرقد خلف عينيها....شعرت وقتها بسلام أبدي يسري بداخلي ويبدد مخاوفي مما يخبئه المستقبل...شكرتها بقرارة نفسي وتابعت السير...
كدت اصل للمنزل...سمعت اصوات زقزقة العصافير عالية...فقلت ان الطيور كذلك تحتفل ....دخلت المنزل وأغلقت الباب وشكرت الله على نعمة " الآن".
لقد استغرق ذلك مني سنين حتى وجدت تلك النعمة..وعلى الرغم من اني لا احتفظ بها دائما لكني اعرف كيف افتح الباب ثانية في الوقت المناسب.
لقد أدركت حينها مهما كان العام المقبل....فإن " الآن " يحوي بهجة وسعادة...
ان ادراك ان " الآن" هو كنز حقيقي سيساعدنا جميعا على تخطي اللحظات الحرجة ومواجهة الصعاب في حياتنا...