نازك العابد السيف الدمشقي المنسي
الرجل يصنع التاريخ والمرأة هي التاريخ, ونازك العابد هي المراة التي صاغت جزءا مهما من تاريخنا ونسيناها .
نازك العابد سطرت أروع البطولات, وكانت شجاعة , مناضلة , وطنية , جمعت المجد من أطرافة , قاتلت المستعمر الفرنسي , وأسست الجمعيات النسائية , وأسست مجلة نور الفيحاء , وشاركت في تأسيس الهلال الأحمر ,ونفيت من البلاد لأنها امرأة تصنع التاريخ .
إنها امرأة ولا كل النساء , إنها مجبولة من الكبرياء والعلم ومحبة الوطن , قارعت بنادق المستعمر , وأسست الجمعيات ,والمجلات, وساعدت الثوار , وقاتلت بالكلمة كما قاتلت بالبندقية .
حياتها قصة حافلة بالنضال والعذاب, على درب الوطنية والخير , مليئة بكل غريب وعجيب , طريق طويلة شاقة تنقلت فيها بين أكثر من عاصمة عربية منفية ومطاردة إلا أن حطت الرحال في بيروت .
نازك العابد (نازك كلمة تركية تعني – اللطيفة- أو- الرقيقة ) الفتاةالدمشقية الشجاعة التي تحدّت الاستبداد العثماني والانتداب الفرنسي ، وحاربت في ميسلون مع يوسف العظمة , ولقبت بـ(جان دارك الشرق) تيمناً بالبطلة الفرنسية التي قاومت الإنكليز ,
نازك العابد ولدت عام 1887 من اسرة دمشقية عريقة , والدها مصطفى باشا العابد من أعيان دمشق تولى متصرفيّة الكرك وولاية الموصل في أواخر العهد العُثماني , والدتها فريدة الجلاد , أتقنت الفرنسية , والإنكليزية , والألمانية, إضافة للعربية التي أتقنت سحرها ,
واتخذت من مجلة العروس ( وهي أول مجلة صدرت في سورية لصاحبتها ماري عجمي ) والحارس منبرا لآرائها وأفكارها المتنورة التي سبقت عصرها .
شاركت في المؤتمرات النسائية والوطنية في كل من سوريا ومصر ولبنان كما شاركت في العديد من المؤتمرات النسائية الدولية .
أسست وترأست عقب الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين عام 1916 ضد الأتراك , جمعية نور الفيحاء لمساعدة ضحايا هذه الثورة ,
وأصدرت عام 1920 مجلة نور الفيحاء التي سخرتها بهدف النهوض بالمرأة السورية , ثم أسست النادي النسائي الشامي الذي ضم نخبة سيدات الشام المتنورات
منحت رتبة نقيب في الجيش زمن الملك فيصل نتيجة مواقفها البطولية , وكانت بصحبة وزير الدفاع السوري البطل يوسف العظمة حين خطا إلى ميسلون ليسطر أروع ملاحم البطولة , ويرسم إلياذته الخالدة في حب الوطن ,
ويقال ان هذا البطل حين أصيب في ملحمة ميسلون , واسلم الروح الطاهرة , كان بين يدي نازك العابد التي كانت تتفقد الجنود بلباسها العسكري , وبعد دخول المستعمر الفرنسي إلى دمشق لم ير بد من نفيها عن الوطن نتيجة مواقفها الوطنية ومشاركتها في معركة ميسلون , فأبعدت إلى استنبول لمدة عامين ( 1920 – 1922 )
ولم تمض سنوات إلا وعاد المستعمر لنفيها مرة أخرى إلى الأردن , وحين تعهدت بعدم ممارستها للعمل السياسي , سمح لها بالعودة ثانية إلى دمشق , فاختارت غوطتها لإقامتها فاختلطت بالفلاحين فكانت تساعدهم في العمل الزراعي وتحضهم على الثورة ضد المستعمر , ونشبت الثورة السورية عام 1925 فكانت احد ثوارها تعمل بصمت وخفاء متنكرة بزي الرجال.
وشاء القدر أن تجتمع بالمفكر اللبناني محمد جميل بيهم المندوب الذي اختاره البيروتيون لتمثيلهم في المؤتمر السوري ( وهو أول برلمان عربي في بلاد الشام ) سنة 1919م ، وكان بيهم يكن لها كل الإعجاب والتقدير لوطنيتها وتضحياتها , فوافقت على الزواج منه في سنة 1929م,
وانتقلت للإقامة في بيروت, فأسست في لبنان عدة جمعيات منها جمعية المرأة العاملة , و جمعية تسعى لتأمين العمل للاجئي فلسطين , كما أسست ميتم لبنات شهداء لبنان , ومدرسة لتعليمهن الدراسة والمهن.
وفي عام 1957 أسست لجنة للأمهات تعمل على رفع مستوى الأم اللبنانية في كافة مجالات الحياة, و في عام 1959 انتخبت نازك العابد رئيسة لها وقد أقيم بهذه المناسبة أول عيد للام يجري في لبنان على الصعيد الوطني .
وامتدت يد القدر إلى المرأة العربية المكافحة والمناضلة نازك العابد في بيروت عام 1959 عن عمر يناهز ال 72 عاما قضتها في سبيل عزة وصون بلادها ودفنت في بيروت , وأقامت لها الجمعيات النسائية اللبنانية حينها حفل تأبين كبير , حضرة الأدباء والسياسيون رجالا ونساء , وتكلم الخطباء عن هذه الوردة الدمشقية التي زرعت الحب والتضحية ما بين دمشق وبيروت , وأشادوا بما قدمته من تضحيات خلال عمرها المديد .