حياة الخيام
ولد غياث الدين أبو الفتح عمر بن إبراهيم الخيامي النيسابوري في 18 مايو 1048 في نيسابور بإيران ويعرف عموماً باسم عمر الخيام. ويوحي اسمه الذي يعني صانع الخيام، بأن صنعة أبيه كانت بيع الخيم. في نيسابور تلقى عمر الخيام تعليماً لابأس به في العلوم والفلسفة خصوصاً. ثم انتقل لاحقاً إلى بلخ وبعدها إلى سمرقند ليتابع فيها تعلمه الجبر. وفيها أنتج أيضاً عملاً مميزاً في هذا العلم.
وحظي عمر الخيام وهو يتقدم في حياته الأكاديمية باهتمام الحاكم السلجوقي سلطان مالك شاه الذي دعى هذا العالم الناشئ ليرأس مشروعه الفلكي الذي كان الهدف منه إعادة تنظيم التقويم. ولإنجاز هذه المهمة أشرف الخيام ومجموعة أخرى من الفلكيين على بناء مرصد فلكي في مدينة أصفهان.
غير أن سلطان مالك شاه توفي عام 1092 ليجد الخيام نفسه بدون داعم مباشر. وكان الوضع في ذلك الزمان يجعل من الصعب على أهل العلم، حتى لو كانوا بارعين مثل عمر الخيام، أن يتابعوا حياتهم العلمية إن لم يحظوا بمساعدة حاكم ما من حكام ذلك الزمان الكثر. وعن ذلك يقول عمر الخيام في أحد كتبه لم أستطيع أن أكرس نفسي لتعلم الجبر ومواصلة التركيز عليه بسبب العقبات التي ترميها أمامي تقلبات الزمان والتي أعاقتني عن ذلك؛ لقد حرمتنا من كل أهل العلم إلا مجموعة صغيرة العدد تعاني الكثير من المشكلات وكل همها في الحياة هو أن تقتنص الفرصة في غفوة من الزمان لتكرس نفسها للبحث وإكمال علم من العلوم؛ ذلك أن غالبية من يقلدون الفلاسفة يخلطون الحقيقة بالزيف؛ وهم لايفعلون شيئاً سوى الغش وادعاء العلم، كما أنهم لا يستخدمون مايعرفونه من علوم إلا لأغراض دنيئة ومادية؛ وإذا ما رأى هؤلاء إنساناً ما يسعى وراء الصحيح ويتحرى الحقيقة ويفعل ما بوسعه لدحض كل ما هو زائف وغير صحيح تاركاً النفاق والغش جانباً، فإنهم يسخرون منه.
بالنظر إلى هذه الظروف التي يتحدث عنها رأى أن ذلك هو الوقت المناسب للذهاب في الحج. وبعد عودته من الديار المقدسة أصبح عمر الخيام أستاذاً في نيسابور وعمل للبلاط من وقت لآخر حين يطلب منه الإشراف على بعض الأمور. كان عمر يتعلم ويعلم في الوقت نفسه علوماً من مثل الفلسفة والرياضيات والفلك والقانون والتاريخ والطب. ونال إعجاب زملائه وطلابه لخبراته الواسعة.
وعنه كتب أحد طلاب الفلسفة قائلاً إن عمر الخيام "...قد وهبه الله حدة الذهن وأعلى قدرات الطبيعة." كما كان عمر مولعاً جداً بالشعر وكرس بعضاً من وقته لكتابة القصائد. وبعض أعماله النثرية الباقية تتضمن أيضاً عدة مقتطفات عن علم ماوراء الطبيعة ومقالة عن إقليدس.
الخيام في أوروبا
بعد حوالي 700 عام من إنتاج الخيام لأعماله أصبح يكتسب الشهرة في أوروبا والغرب الذي دخلها من باب ترجمة فيتز جيرالد لديوان الرباعيات. والرباعيات تتكون من أربعة أبيات تكون قافية الثالث منها مختلفة عن الأبيات الأول والثاني والرابع التي تشترك بالقافية. فيما يلي مقطع من أشهر رباعيات الخيام التي ترجمها فيتز جيرالد:
سمعت صوتاً هاتفاً في السحر........ نادى من الغيب غفاة البشر
هبوا املأوا كاس المنى قبل............ أن يملأ كاس العمر كف القدر
لا تشغل البال بماضي الزمان.......... ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته ...............فليس في طبع الليالي الأمان
غدٌ بظهر الغيب واليوم لي.......... وكم يخيب الظن بالمقبل
ولست بالغافل حتى أرى… .........جمال دنياي ولا أجتلي
القلب قد أضناه عشق الجمال........ والصدر قد ضاق بما لا يقال
يا رب هل يرضيك هذا الظمأ ........ والماء ينساب أمامي زلال
أولى بهذا القلب ان يخفقأ .............. وفي ضرام الحب أن يحرقا
ما أضيع اليوم الذي مر بي ............ من غير أن أهوى وأن اعشقا
كانت الرباعيات شائعة في ذلك الوقت في الأدب الفارسي. كما انتشر هذا النوع الأدبي الشعري إلى البلدان الأخرى الخاضعة للنفوذ الفارسي.
بعد ترجمة فيتز جيرالد، ترجمت رباعيات الخيام إلى معظم اللغات الأوروبية وكان لها أئرها في تشكيل النظرة الأوروبية للآداب والثقافة الفارسية والشرقية، رغم أنه تأثير غير واضح أحياناً. ومن الجدير بالذكر أن كل رباعية من رباعيات الخيام كانت قد كتبت منفردة وفي مناسبتها الخاصة لتكون قطقة بحد ذاتها. لكن فيتز جيرالد في ترجمته لها رأى أن يدمج رباعيات الخيام في قطعة واحدة وذلك بإيجاد علاقة بين كل رباعية وأخرى لإعطاء عمل متكامل مترابط مع بعضه.
بقراءة دقيقة لكل رباعية من رباعيات الخيام، يمكن للدارس أن يستخلص صورة عن عقلية هذا الشاعر. فعمر الخيام، كما يبدو من شعره، لابد وأنه كان إنساناً شغل تفكيره بالطبيعة الفانية للحياة وغياب الشعور بالأمان فيها وتعمق جداً في محاولة فهمها مثلما يتبين في الأبيات التالية.
لا توحش النفس بخوف الظنون ................ واغنم من الحاضر أمن اليقين
فقد تساوى في الثرى راحــل ................ غداً، وماض منذ ألوف السنين
ويبدو أنه لم يتوصل إلى حلول مرضية تخفف حيرته. وهذا ما دفعه إلى محاولته النأي بنفسه عن هذه الجوانب من الحياة والتركيز على الجوانب المادية الإيجابية والمبهجة فيها. غير أن الأشياء المتواضعة التي وجد المتعة فيها تشي بعدم عمق وحدة هاجسه بالمسائل الفلسفية الجوهرية: الحياة والموت والسعادة والإيمان وغيرها.
وتجدر الإشارة هنا إلى قدر من التساؤل ثار حول أصالة نسب الرباعيات إلى عمر الخيام. ويعود هذا في الوجه الأكبر منه إلى عدم وجود مصادر تاريخية معاصرة لعمر الخيام أشارت بأي شيء لبراعته الشعرية. ولم تظهر بعض الرباعيات المنسوبة إليه إلا بعد حوالي 200 عام على حياته. وما يزيد من التساؤل هو أن الرباعيات كأسلوب شعري كانت سهلة حينها على النظم والكثير منها ظهر في الشعر الفارسي في القرن الثالث عشر للميلاد وفي عدة حالات تجد الأبيات نفسها منسوبة لأكثر من شاعر. غير أن هذه الإفتراضات لا يمكن إثباتها لوجود نصوص تعود إلى القرن الثالث عشر، 250 منها على الأقل تم إثبات أنها رباعيات أصيلة نظمها عمر الخيام.
فن الاستعارة والخيام
الاستعارة هي تقنية لغوية تعني المقابلة بين شيئين مختلفين بالمقارنة بينهما. وبالتالي فإن الاستعارة شيء يختلف عن تقنية التشبيه، والبعض يخلط بينها أحياناً، لأن التشبيه يستخدم أدوات التشبيه من قبيل كلمة "مثل" أو حرف التشبيه "ك" لبناء هذه المقارنة. أما في الاستعارة فإن المقارنة لا تأتي بهذا الشكل المباشر.
ويمكن اعتبار الاستعارة الركيزة التي يبنى عليها الشعر. والخيام في شعره ينتج استعارات أصلية ببراعة باستخدام استعارات موجودة شائعة الاستخدام. وقوله: "أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب – فإنما الأيام مثل السحاب" يشرح بجلاء هذه التقنية.
الرياضيات والخيام
استطاع عمر الخيام بأعماله أن يعزز ويطور الأعمال التي قدمها علماء مسلمون بارزون وخصوصاً البيروني وابن سينا في الرياضيات. إذ رغم كل الصعوبات التي واجهت عمله هذا، ألف الخيام عدداً من الكتب في الرياضيات، ومنها كتاب "مشكلات الحساب" الذي يجمع بين موضوعي الجبر والموسيقى إلى جانب أشهر كتبه في الرياضيات وهو "رسالة في شرح مشكلات الجبر". ومن بين اكتشافاته الأخرى التي قدمها في كتبه هذه، اكتشف الخيام طريقة عامة لتحديد جذر أي عدد مهما كبر. غير أن هذه الأعمال قد ضاعت وعرفنا طريقة تحديد الجذور وغيرها من الاكتشافات عبر مصادر غير مباشرة. وتضمن كتاب "الجبر" لعمر الخيام أول حل شامل للمعادلات الرياضية التكعيبية عبر استخدام طريقة القطع المخروطي. لكن هذه الاكتشافات المهمة جداً في عصره لم تجعل عمر الخيام يهجر التواضع والنظرة العميقة للأشياء حيث كان يقول دوماً إنه يأمل أن ينجح من يأتي بعده حيث فشل هو.
ورغم أن عمر الخيام في حياته وعالمه كان قد احتفي به باعتباره عالماً وباحثاً موهوباً وبارعاً، إلا أنه في العصور اللاحقة وفي الغرب كان يعرف أكثر باعتباره الشاعر الذي ترجم فيتزجيرالد رباعياته. غير أن عمر الخيام في كل العصور وحتى الآن يستحق منا أن نحتفظ له بمكانته كشاعر فلسفي عظيم وعالم رياضيات بارع.