الكونتيسة المتمرّدة هي روائية وقاصة وشاعرة بالفرنسية والعربية، وكاتبة
مقالة، وباحثة في التاريخ، وأستاذة جامعية، وإمرأة مؤثرة في مجتمعها.
نشأت كوليت خوري في بيت وطني عريق وتعلّمت بين جدرانه المزدحمة
برفوف الكتب أنّ الكلمة مقدسةوأنّ الحرف هو حليفها الأوّل في التعبير عن
ذاتها, ولدت عام ١٩٣٥ في دمشق، ودرست المرحلة الابتدائية في مدرسة
راهبات ''البيزانسون'' حتى عام ١٩٤٨ والمرحلتين الإعدادية والثانوية في معهد
اللاييك (الحرّية) وبعد أن نالت الشهادة الثانوية عام ١٩٥٢ درست الحقوق في
الجامعة اليسوعية في بيروت حتى عام ١٩٥٥، ثم الأدب الفرنسي في جامعة دمشق.
درَّست في معهد اللاييك بين عامي ١٩٥٧ ــ ١٩٥٩، وفي قسم اللغة الفرنسية
بكلية الآداب في جامعة دمشق بين عامي ١٩٧٤ ــ ١٩٧٨.
عملت عام ١٩٦٥ في مجلة ''المضحك المبكي'' التي كان يصدرها خالها
الصحفي المشهور حبيب كحَّالة (١٨٨٩ ــ ١٩٦٥)، كما كان لها زاوية ثابتة في
عدة مجلات منها ''الأسبوع العربي'' و''المستقبل'' و''جريدة تشرين'' و''مجلة
تشرين''...
انتخبت عضوة في مجلس الشعب لدورتين متتاليتين من عام ١٩٩٠ حتى عام
١٩٩٨، إلا أنها لم ترشح نفسها لدورة جديدة، وتفرغت لاعمالها الأدبية.
تزوجت مرتين: الأول ١٩٥٥ من الكونت الاسباني رودريغو دو زياس، فعاشت
معه سنة واحدة، ثم انفصلت عنه بعد أن أنجبت منه بنتاً واحدة أسمتها
مرسيدس (نارة) بقيت معها على الدوام، وهي اليوم طبيبة مشهورة مختصة
بالأمراض الهضمية، والمرة الثانية عام ١٩٨٧ من السيد أنطون زلحف، وهو رجل
أعمال دمشقي معروف.
تقول كوليت عن حياتها: ''ولدت في أسرة صغيرة جداً بالعدد، كبيرة جداً
بالأصدقاء، والأحباء والمعارف، مستورة جداً في حياتها العائلية الخاصة،
ومشهورة جداً في الميدان السياسي والصحفي والأدبي، ومتواضعة في
الامكانات المادية، وغنية بالوطنية والثقافة والفكر''(١).
كان جدها فارس الخوري (١٨٧٧ ــ ١٩٦٢) من أهم رجالات الأمة العربية، وخالها
الأستاذ حبيب كحالة من أهم صحفيي سورية، وصاحب مجلة ''المضحك
المبكي'' المعروفة.
تقول كوليت إنها مالت في طفولتها إلى الموسيقى والغناء والرياضيات
والكيمياء، لكن البيئة أو الظروف لم تسمح لها بأن تحقق طموحاتها في هذه
المجالات... وبما أنها كانت دائماً تحس بأنها في حاجة إلى التعبير عما تفيض به
نفسها، وإلى الاحتجاج والصراخ، وبما أنها كانت لا تحب الصراخ بالحنجرة، فقد
صرخت بأصابعها فأصبحت أديبة... (٢).
كتبت كوليت في سن مبكرة جداً. كانت في الخامسة عشرة من عمرها حين
ظهر نتاجها في الصحف والمجلات، وكانت في العشرين حين أصدرت ديوانها
الأول عشرون عاماً بالفرنسية، ثم تتالت رواياتها وقصصها القصيرة ومقالاتها
ودراستها التاريخية حتى زادت على العشرين كتاباً.
لا يختلف اثنان على أن لكوليت حضوراً مميزاً في المجالات الأدبية والثقافية
والسياسية والاجتماعية... وتعد أهم رائدات تحرر المرأة في الوطن العربي،
كما أنها صاحبة شخصية غنية متعددة الجوانب، وقد قامت شهرتها الواسعة
على روايتها الأولى ''أيام معه'' التي صدرت في بيروت عام ١٩٥٩، وأثارت يومئذٍ
ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية والاجتماعية... وهي لا شك إحدى الشخصيات
النسائية المهمة في الحياة الثقافية السورية في العقود الأربعة الأخيرة، تمردت
في حياتها وآدبها على كل ما هو سائد وبالٍ ومتخلّف ورجعي من العادات
والتقاليد الاجتماعية التي عفّى عليها الزمن.
وهي إضافة لكل هذا، حفيدة العلامة فارس الخوري رئيس وزراء سورية، وأول
رئيس لمجلسها النيابي، وقد كان من أبرز رجالات سورية السياسيين، وواحداً
من أهم رواد القومية العربية في القرن العشرين، وكان أيضاً من ألمع أدبائها
وشعرائها، وكان خير من مثّل العرب في هيئة الأمم المتحدة، وقد ترأس مجلس
الأمن لدورتين عام ١٩٤٧ وعام ١٩٤٨.
أما والدها سهيل الخوري (١٩١٢ــ ١٩٩٢) فكان محامياً ووزيراً تبوّأ سدة الوزارة
مرتين، وشخصية لامعة ومحبوبة وذات حضور قويّ.
علّمها جدها مبادئ العربية، ودرسها الإنجيل والقرآن الكريم منذ نعومة أظفارها،
حتى نشأت فصيحة اللسان، ناصعة البيان، لا يعرف الخطأ إلى قلمها أو لسانها
سبيلاً، وقد أطلق عليها الشاعر الكبير سعيد عقل لقب ''صاحبة القلم
الضوئي''، وقال فيها: ''كوليت الخوري إمرأة عظيمة روائية كبيرة، ومع أنها مثقفة
ومطلعة على أدب الغرب، وأدب وكتّاب العرب المشهورين، إلا أنها لم تتأثر بأحد
من هؤلاء وبقيت كوليت هي كوليت، وهذا مهم جداً أن تكون في خط العظماء
وتبقى أنت أنت''.
قالت مرة لأحد المتأدبين: ''أنا لست أديبة مثلك... أنا سيدة ظريفة، من بعض
هواياتها الأدب''، لكنها أسرّت لي فيما بعد قائلة: ''إن هذا غير صحيح، فالأدب
والكتابة جزء من حياتي. قلت له هذا الكلام لأغيظه ليس غير... ''، وقالت عن
أبطال رواياتها وقصصها: إنهم أشخاص تحبهم، وتقوم بخلقهم كما تريدهم على
الورق... وقالت: إنّ آفاق الفن لم تكن مفتوحة أمامها قبل خمسين عاماً، وكان
من الصعوبة دخولها عالم الفن(٣).
وقالت أيضاً إنها لو لم تكن كاتبة لكانت مطربة، أو موسيقية أو ممثلة أو ملحنة،
حتى إنها في قصة ''الأمنية الصعبة'' تتمنى لو كانت عشر نساء لتوزع طموحها
ورغباتها وهواياتها وعملها عليهن(٤)...
لقد مرت كوليت بمراحل صعبة في حياتها، وكان المجتمع قاسياً في التعامل
معها، حتى عندما كان أهلها في السلطة اعتبروها تقدمية، أما فيما بعد فقد
اضطهُدت أيضاً، وشعرت بغربة كبيرة، وعدَّوها رجعية لمجرد كونها تنتمي لأسرة
مشهورة، ولم تكن واثقة من نفسها، ولو لم يكن القلم سلاحها الوحيد، لما
استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه ولما أصبحت مستشارة أدبية للسيد الرئيس بشار الأسد.
شعرت في تلك الفترة من الزمن أنها تقف على رمال متحركة، وكان أمامها ــ
كما تقول على لسان بطلة روايتها ''أيام مع الأيام'' إما أن تكون سورية في
الغربة أو غريبة في سورية، فاختارت الحل الأوجع وهو البقاء!
أصدرت كوليت حتى الآن ثلاثين كتاباً منها أربع روايات هي: ''أيام معه''، ''ليلة
واحدة''، ''ومرّ صيف''، ''أيام مع الأيام''، وأربع مجموعات قصصية هي: ''أنا
والمدى''، ''الكلمة الأنثى''، ''الأيام المضيئة''، ''إمرأة''... إضافة إلى بعض قصصها
الطويلة مثل: قصتان، ''كيان''، ''دمشق بيتي الكبير''، ''المرحلة المرّة''، ''دعوة
إلى القنيطرة''، ''طويلة قصصي القصيرة''... ''ولها أغلى جوهرة في العالم''
(مسرحية باللغة المحكية)، ''ومعك على هامش روايات'' (غزل)، ''والعيد
الذهبي للجلاء'' (محاضرة قدّم لها العماد أول مصطفى طلاس)، وديوانان باللغة
الفرنسية هما: ''عشرون عاماً''، ''رعشة''... كما صدر لها مجلدان تحت عنوان
''أوراق فارس الخوري'' وستتبعهما عدة مجلدات أخرى.. تتمة مؤلفاتها.
............................