بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله عز وجل: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومِه أن أنذِر قومَك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم} (سورة نوح/1).
نسب سيدنا نوح عليه السلام
هو نوح بن لامَك بن مَتُّوشَلَخَ بن أخَنوخ ـ وهو إدريس ـ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن ءادم أبي البشر. وكان بين نوح وءادم عشرة قرون كما جاء ذلك في حديث ابن حبان.
دعوة نوح قومه إلى الإسلام
بعث الله نوحًا عليه السلام إلى قوم يعبدون الأوثان ليدعوهم إلى الدين الحقّ وهو الإسلام والعبادة الحقّة وهي عبادة الله وحده وترك عبادة غيره، وقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} (سورة الاعراف 65)، وقال: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} ,ودعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار والسر والإجهار، وبالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، لكن أكثرهم لم يؤمن بل استمروا على الضلال والطغيان وعبادة الأوثان ونصبوا له العداوة ولمن ءامن به وتوعدوهم بالرجم .
لبث سيدنا نوح في قومه يدعوهم إلى الإسلام ألف سنة إلا خمسين عامًا قال تعالى: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا} (سورة العنكبوت 14)، وكان قومه يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه، حتى تمادوا في معصيتهم وعظمت منهم الخطيئة فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي كان قبله، حتى إن كان الاخر ليقول: قد كان هذا مع ءابائنا وأجدادنا مجنونًا لا يقبلون منه شيئًا. ومن جملة ما قال لهم {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} (سورة هود 34) أي أن الله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولكن اليأس لم يدخل قلب نوح بل أخذ يجاهد في إبلاغ الرسالة ويبسط لهم البراهين، ولم يؤمن به إلا جماعة قليلة استجابوا لدعوته وصدقوا برسالته.
بناء سيدنا نوح للسفينة ونزول العذاب بالكفار
ثم إن الله أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن , فلما يئس من إيمانهم دعا عليهم فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} (سورة نوح 26-27) فلما شكا إلى الله واستنصره عليهم أوحى الله إليه: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} (سورة هود 37)،
فأقبل نوح على عمل السفينة وجعل يهىء عتاد الفلك من الخشب والحديد والقار وغيرها، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله فيسخرون منه وكانوا لا يعرفون الفلك قبل ذلك، ويقولون: يا نوح قد صرت نجارًا بعد النبوة! وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهن. وصنع الفلك من خشب الساج وقيل غير ذلك، ويقال إن الله أمره أن يجعل طوله ثمانين ذراعًا وعرضه خمسين ذراعًا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعًا. وقيل: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وقيل غير ذلك والله أعلم.
ويقال إن نوحًا جعل الفلك ثلاث طبقات: سفلى ووسطى وعليا، السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ ءامَنَ وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} (سورة هود 40)
وأخبرته زوجته بفوران الماء من التنور، ولما فار التنور حمل نوح مَن أمر الله بحمله وكانوا ثمانين رجلاً، وقيل غير ذلك. وكان فيها نوح وثلاثة من بنيه سام وحام ويافث وأزواجهم وتخلف عنه ابنه قيل اسمه يام وقيل كنعان وكان كافرًا. ويقال إن نوحًا حمل معه جسد ءادم عليه السلام،
ثم إن المطر جعل ينزل من السماء كأفواه القرَبِ، فجعلت الوحوش يطلبن وسط الأرض هربًا من الماء حتى اجتمعت عند السفينة فحينئذ حمل فيها من كل زوجين اثنين.
لما اطمأن نوح في الفلك، وأدخل فيه من أمر به جاء الماء كما قال تعالى: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)} (سورة القمر) والدسر: المسامير.
وجعلت الفلك تجري بهم في موج كالجبال ,وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطرًا لم تعهده الأرض قبله وأمر الأرض فنبعت من جميع فِجاجها، ونادى نوح ابنه الذي هلك لأن يؤمن ويصعد وكان في معزل: {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين}(سورة هود 42) وكان كافرًا خالف أباه في دينه، {قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء}(سورة هود 43)، فقال نوح {قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}(سورة هود 43).
قال جماعة من المفسرين: أرسل الله المطر أربعين يومًا، ويقال: إنهم ركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، وكان الماء نصفين نصفًا من السماء ونصفًا من الأرض وقد ارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض قيل: خمسة عشر ذراعًا، وقيل ثمانين والله أعلم، وقد عم جميع الأرض سهلها وحَزنها وجبالها وقفارها، فلم يبق على وجه الأرض أحد ممن عبد غير الله عز وجل، قال الله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ} (سورة الاعراف 64)، وقال تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} (سورة الانبياء 77). وطافت السفينة بالأرض كلها لا تستقر حتى أتت الحرم فدارت حوله أسبوعًا، ثم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى جبل الجوي وهو بأرض الموصل فاستقرت عليه.
ثم إن نسل أهل السفينة انقرضوا غير نسل ولده فالناس كلهم من ولد نوح، ولم يُجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلٌ ولا عقبٌ سوى نوح عليه السلام قال تعالى: {وجعلنا ذريته هم الباقين} (سورة الصافات/77)، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني ءادم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة.
روى الإمام أحمد عن سمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم" ورواه الترمذيّ عن سمرة مرفوعًا بنحوه، وقيل: المراد بالروم هنا الروم الأول وهم اليونان، وروي عن سعيد بن المسيب انه قال: "ولد نوح ثلاثة: ساما ويافثا وحاما، وولد كل واحد من هؤلاء الثلاثة ثلاثة: فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافت الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وولد حام: القِبط والسودان والبربر".
ذكر اليوم الذي استقرت فيه السفينة
قال قتادة وغيره: "ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائة وخمسين يومًا واستقرت بهم على الجودي شهرًا، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم" انتهى، وقد روى ابن جرير خبرًا مرفوعًا يوافق هذا، وأنهم صاموا يومهم ذلك.
عمر سيدنا نوح ووفاته
قيل: بعث سيدنا نوح وله أربعمائة وثمانون سنة وإنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة فيكون قد عاش على هذا ألف سنة وسبعمائة وثمانين سنة والله أعلم.
ويروى أن نوحًا لما حضرته الوفاة قيل له: كيف رأيت الدنيا؟ قال: "كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر".
وأما قبره عليه السلام فقيل إنه بالمسجد الحرام وهو الأقوى، وقيل: إنه ببلدة في البقاع تعرف اليوم "بكرك نوح" وهناك جامع قد بني بسبب ذلك فيما ذكر، وقيل: إنه بالموصل والله أعلم.
وصية نوح عليه السلام لولده
روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ نبي الله نوحًا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصّ عليك الوصية، ءامرك باثنتين وأنهاك عن اثنين، وءامرك بلا إله إلا الله، فإن السموات والأرضين السبع لو ووضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شىء وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر".