رجل دين يفتي بـ"إرضاع الكبير" وآخر يقول إن "الغناء حلال" على عكس
ما تقوله التيارات الدينية الأكثر تشدداً، هكذا تبدو السعودية في خضم حرب
فتاوى محتدمة تطرح تساؤلات حول من هي الجهات التي يمكن أن تطلق هذه الأحكام
الدينية المحورية، في بلد تحكم فيه الشريعة الإسلامية الشاردة والواردة.
وأطراف المواجهة هم رجال الدين المتشددون والتقدميون والقضاة والعلماء،
وهم يطلقون الفتاوى أو الردود عليها عبر وسائل الإعلام والإنترنت في مشهد
بات يعرف بـ"فوضى الفتاوى".
ودارت معظم المناوشات حول فتوى رجل الدين المعروف بأدائه المتميز للقرآن
الشيخ عادل الكلباني الذي كان أيضاً أول إمام أسود للحرم المكي، معتبراً
أنه ليس في الإسلام ما يحرم الغناء، مع موسيقى أو من دون موسيقى.
وأصر على فتواه، لكنه اضطر إلى التوضيح بأنه لا يقصد الغناء الذي فيه
"المجون والاسفاف"، مشيراً إلى أن فتواه لا تشمل أغاني الفيديو كليب
وأغاني كالتي تقدمها الفنانتان اللبنانيتان هيفاء وهبي ونانسي عجرم.
لكنه قال: "إن نانسي يمكن أن تشملها الفتوى إذا قدمت أغنية ذات كلمات
هادفة".
وكان الشيخ عبد المحسن العبيكان أثار جدلاً واسعاً أيضاً عبر رأيين كانا
بمنزلة فتاوى، في الأول أيد فكرة إرضاع المرأة للرجل البالغ إذا ما أرادت
أن تختلط به في الحلال.
وصدرت ردود فعل غاضبة وهازئة في المملكة والعالم، حتى أن ناشطات نسائيات
"هددن" بإرضاع السائقين الآسيويين الذين يجدن أنفسهن مضطرات للاختلاط
بهم من أجل التنقل في السيارات، إذ أن القيادة ما زالت حكراً على الرجال
فقط.
والعبيكان الذي يشغل منصب مستشار في ديوان العاهل السعودي وغالباً ما
ينظر إليه على أنه من الوسطيين في تطبيق الشريعة الإسلامية، أثار غضب
المتشددين أيضاً عندما افتى بـ"جواز تأخير صلاة الظهر إلى آخر وقت لها في
المناطق الحارة، وذلك اتباعا للسنة النبوية بالتخفيف عن المسلمين أثناء
اشتداد الحر"، وبالتالي الجمع بين صلاتي الظهر والعصر.
وأثارت فتاوى الكلباني والعبيكان ردوداً من أعلى المستويات.
ورد المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ على قول الكلباني: "بأن إذا كان
الطبيب الجاهل يمنع من العلاج فكيف بالمفتي الجاهل؟".
وعن فتوى إرضاع الكبير، قال المفتي: "لا نتهم المفتي بسوء القصد، لكنها
كانت سبباً في السخرية بالشرع .. كيف يمكن لشخص ابن اربعين سنة أن يرضع من
ثدي امرأة".
ويأمل بعض السعوديين أن تأخذ الفتاوى بحقيقة العصر، وقال المؤرخ والكاتب
محمد آل زلفى لوكالة "فرانس برس": "نحن جزء من هذا العالم وعلينا أن
نبني نظاماً قضائياً يلاقي احتياجات العصر".