Resistance in Gaza
Three men are facing the Israeli army for 50 hours
من يستمع إلى رواية المواطن الغزاوي مجدي عبد ربه عن ملحمة الصمود الأسطوري
التي قام بها ثلاثة من عناصر المقاومة الفلسطينية في وجه الآلة العسكرية
الإسرائيلية لأكثر من 50 ساعة خلال واحدة من العمليات الميدانية التي تلت
الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة يناير الماضي، لا يكاد يصدق نفسه أمام
التفاصيل التي ذكرها عبد ربه
لم يكن هناك
أي اهتزاز في أصواتهم أو خطواتهم، والمقاومون الثلاثة، الذين ينتمون إلى
كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، يمشون واثقين
إلى هدفهم، الذي كان هنا هو قوة إسرائيلية برية متقدمة وصلت إلى مشارف بلدة
جباليا شمال قطاع غزة، وكان الهدف الذي صمموا عليه هو إبادة القوة
الغازية، والحصول على أسرى منها.
استطاع المقاومون تفجير القوة
الإسرائيلية، وخوض معارك شرف ضارية معها، بل واستطاعوا أن يأسروا جنديا
إسرائيليا، وسحبه إلى أحد المنازل في عزبة عبد ربه شرقي جباليا، وصمدوا
رافضين التفاوض مع العدو المتجبر.. العدو الذي ساءه ذلك.. كيف يفعل به
هؤلاء الثلاثة ذلك، وهو أحد قوات ألوية النخبة في الجيش الإسرائيلي "الذي
لا يقهر"؟!.
وطيلة يومي الرابع والخامس من
يناير الماضي، واصلت الطائرات والمدفعية البرية الإسرائيلية قصف المنزل
الذي تحصن فيه المقاومون بنيران جحيم صواريخها وداناتها.. لم تنته المعركة
كما أراد الإسرائيليون.. استشهد الثلاثة وهم على أرض المعركة.. لم
يستسلموا، ولم يسلموا الجندي الذي معهم.. قتلته "نيران صديقة" من القوات
الإسرائيلية التي فضلت قتله على وقوعه في الأسر لدى المقاومة.
ويضم
سجل الشرف في هذه المعركة أسماء كل من: محمد فريد عبد الله، ومحمد عبد الله
عبيد، وإياد حسن عبيد الذين سطروا بدمائهم إحدى قصص الصمود والملاحم
البطولية التي هي أقرب إلى المعجزات منها إلى الحقيقة، والتي تكشف الكثير
منها بعد انقشاع غبار الحرب.
مجدي عبد ربه أحد سكان قرية عزبة عبد
ربه يروي تفاصيل هذه القصة البطولية الغزاوية والتي
كان أحد أبطالها، وإن كان ذلك رغما عنه.. كيف كان ذلك؟!.. هذا هو ما يحكيه
في السطور التالية...
وتبدأ الحكاية
في اليوم الثاني للهجوم
البري الإسرائيلي على قطاع غزة بدأت الدبابات الإسرائيلية في التوغل في
قرية عزبة عبد ربه التي تقع على حدود شمال القطاع بعد قصف عنيف، وأثناء
التقدم وفتح طرق من خلال بيوت القرية تجنبا للمرور من الشارع الرئيسي
للبلدة، كان المقاومون الثلاثة ينتظرون صيدهم الثمين ليرابط فوق حقل ألغام
كان ينتظره.
ومع ساعات الصباح الأولى، وبعد أن تأكد جنود الاحتلال
من خلو المنطقة من مقاومين نزلوا من مدرعاتهم، وبدءوا يتحصنون في منزل لأحد
المواطنين يقابل المنزل المفخخ الذي يكمن فيه المقاومون الثلاثة من الجهة
الجنوبية، كما اعتلى الجنود الإسرائيليون سطح مسجد القرية الواقع إلى
اليسار من مكمن المقاومين.
وبعد أن اقترب الجنود من الكمين فجر
المقاومون الثلاثة عددا من العبوات المضادة للأفراد في القوة الراجلة
المقابلة لمكمنهم، وخاضوا معهم اشتباكا عنيفا استمر لما يقارب الساعة
تمكنوا خلالها من أسر جندي إسرائيلي جريح وسحبه داخل مكمنهم.
بعد
عدة ساعات بدأت قوات الاحتلال بإخلاء منازل قريبة من مكمن المقاومين،
واتخاذ أهلها دروعا بشرية بينهم مجدي عبد ربه الذي يلاصق منزله مكان تحصن
المقاومين الثلاثة.
وتحت تهديد السلاح أجبر ضابط إسرائيلي كان يتحدث
العربية -وهو قائد الوحدة الإسرائيلية المتقدمة- مجدي عبد ربه على عمل
فتحة في المنزل الذي تحصن فيه المقاومون، والنزول إلى المجموعة ونقل تعهد
قائد الوحدة الإسرائيلية بالمحافظة على سلامتهم إن أخلوا سراح الجندي.
نزل
عبد ربه للمنزل الذي يتحصن به المقاومون وهو ينادي: "أنا مجدي عبد ربه..
لا تطلقوا النار"، وأثناء نزوله على الدرج قابله أحد المقاتلين يحمل سلاحه
ويتمنطق بحزام ناسف على وسطه، فأخبره عبد ربه بعرض الضابط الإسرائيلي، فرفض
المقاومون العرض الإسرائيلي، وأبلغوا مجدي عبد ربه أن يبلغ الضابط
بالانسحاب من المنطقة إن أراد الحياة لجنديه.
وبالفعل
عاد عبد ربه لقائد الوحدة الإسرائيلية وأخبره بمطالب الآسرين، فتعرض للشتم
والضرب من الضابط الإسرائيلي الذي أمر جنوده باصطحابه إلى المسجد الذي
تحصن فيه الجنود الإسرائيليون من قبل، وبعد عدة ساعات قصفت القوات
الإسرائيلية المنزل الذي تحصن فيه المقاومون مع الجندي الأسير، بعدد من
الصواريخ.
بعدها بفترة قصيرة أخذ الجنود الإسرائيليون مجدي عبد ربه
مرة أخرى، وطالبه الضابط الإسرائيلي بالعودة للمنزل شبه المدمر، ليرى إن
كان قد قتل المقاومون، ويعيد عليهم العرض السابق إن كانوا قد بقوا أحياء
بعد القصف.
وبعد التهديد والوعيد بدأ مجدي بالنزول للمقاومين في
الطابق السفلي كما فعل في المرة الأولى، وأثناء نزوله الحذر قابله أحد
المقاومين، وكان جريحا يراقب الجنود المتحصنين في المسجد، فأعاد عبد ربه
عليه العرض الإسرائيلي فأخبره بأن يوصل للضابط الإسرائيلي بالحرف الواحد
رسالة مفادها: "إن كنتم رجالا فتعالوا إلى هنا".
وبعد أن عاد مجدي
للضابط الإسرائيلي لكي يبلغه برسالة المقاومة، وبأنهم ما زالوا على قيد
الحياة، جن جنون الضابط الإسرائيلي، ورمى بخوذته على الأرض، مخاطبا مجدي
عبد ربه قائلا: "أتعرف بماذا قصفناهم؟!.. بعشرة صواريخ (لاو)، كل منها يعمل
على تغطية عشرة أمتار مربعة".
في هذه الأثناء بدأ المقاومون في
إطلاق النار ناحية المسجد المقابل لمكان تحصنهم في المنطقة الشرقية، بعدها
شرعت طائرة مروحية إسرائيلية من طراز "أباتشي" في دك المنزل الذي يتحص به
المقاومون بالصواريخ لينهار المنزل بشكل شبه كلي.
بعد عدة ساعات
أرسل الضابط الإسرائيلي عبد ربه مرة أخرى إلى منزل المقاومين، وبنفس
الطريقة وصل إليهم، ولكن بصعوبة بالغة هذه المرة ليفاجأ بأن الثلاثة على
قيد الحياة، إلا أنهم كانوا قد أصيبوا بجراح بالغة؛ حيث انهارت عليهم جدران
المنزل، فطلب منه المقاومون الثلاثة أن يبلغ الضابط الإسرائيلي بأنهم
قتلوا وقد انهارت عليهم الجدران، وأنه لم يتمكن من سحب أي منهم.
فعاد
مجدي إلى الضابط الإسرائيلي وأبلغه بذلك، إلا أن الضابط أرسل كلبا مدربا
كان برفقتهم من البداية، فأطلق عليهم المقاتلون الفلسطينيون النيران،
وحينها بدأ الضابط في ضرب مجدي عبد ربه، واتهمه بالكذب والخداع.
بعدها
أرسل الإسرائيليون رجلا آخر من عائلة عبد ربه، وزودوه بكاميرا رقمية ليصور
لهم "القتلى الثلاثة"، وبالفعل صور المقاومين وقد انهار عليهم المبنى
ويظهرون وكأنهم قد استشهدوا.
إلا أن الوحشية الإسرائيلية أبت إلا أن
تستكمل جريمتها؛ فأثناء خروج الرجل من المبنى كانت جرافتان إسرائيليتان
تقومان بهدم المبنى بالكامل، لتنكشف بعد ذلك جثث الشهداء الثلاثة، وقد قتل
معهم الجندي الإسرائيلي الأسير.