((( الضحية )))
العبرات / مصطفى لطفي المنفلوطي
نشأت ((( مرغريت جوتييه )) فقيرة لاتملك مالا تشتري به زوجا ً , ولاتجد بين الرجال من يبيعها نفسه يلا مال , أو يحسن اليها ما يسد خلتها , ويستر عورتها , وكان لابد لها أن تعيش , فلم تجد بين يديها سوى عرضها , فذهبت به الى سوق الشقاء والآلآم , فساومها فيه بعض المساومين بأبخس الأثمان , فباعته إيّاه كارهة مرغمة , وكانت من الخاسرين ....
ولقد كان جمالها شؤما ً عليها , فلو أنها كانت شوهاء , لوجدت في الناس من يرحمها ويحنو عليها , ولكن الجمال سلعة من السلع النافقة , لايستطيع صاحبه أن ينال مافي أيدي الناس اذا كان فقيرا معوزا ً , الا من طريق المساومة فيه .
لذلك نقمت تلك الفتاة المنكوبة على الرجال جميعا , وأقسمت أن تتخذ من جمالها , الذي هو مطمع أنظارهم , وقبلة آمالهم , آلة إنتقام تنتقم بها منهم لعرضها وشرفها .
ولقد برت بوعدها ويمينها , فعاشرت الرجال ولم تحبهم , ونكبتهم في أموالهم , وفي إنفسهم , ولم تأسف عليهم ونظرت الى عيون الباكين تحت قدميها نظرات الغبطة والسرور وهي تقول :
((( ويح لكم أيها الرجال , ماكنت أطلب منكم بإسم الفضيلة والشرف إلا ّ رغيفا ً واحدا ً لغدائي , وآخر لعشائي , فأبيتموهما علي ّ , فلما طلبت منكم بأسم الرذيلة جميع ماتملك أيديكم من مال بذلتموه لي طائعين مختارين , فما أصغر نفوسكم وأخس أقداركم !!!
ولقد كان في إستطاعة أصغركم شأنا ً , وأهونكم على نفسه وعلى الناس جميعا ً ’ أن يشتري مني جسمي وقلبي وحياتي بلا ثمن سوى سد خلتي وصيانة عرضي , فلم تفعلوا , فها هم أولاء اليوم عظماؤكم وأشرافكم يجثون تحت قدمي جثي الكلب الذليل تحت مائدة سيده , فلا ينالون مني أكثر مما ينال منها .
أحببتم المال حبا جما , فأبيتم إلا أن تتزوجوا ذات مال لتضموا طارفها الى تليدكم , فابذلوا اليوم لإمرأة ٍ مومس , لاتمنحكم مالا ً ولاحبا ً جميع مافي أيديكم من فضة وذهب , حتى لايبقى لكم طارف ولاتليد .