لا شك أن حوادث التحرش الجنسي التي وقعت العام الماضي،
ومع بداية العام الجديد، انحصر عدد منها على صفحات الجرائد بين المدرسين
والأطباء، خاصة أطباء الأسنان، وتوقّع بعض من الجماهير المصرية أن الأمر
قاصر على مصر، إلا أنه تم الكشف عن دراسة بدبي أكدت معاناتها هي الأخرى من
الأطباء، وخاصة أطباء الأسنان، والمدرسين، فهما بحكم المهنة يتمكنان بشكل
أو بآخر من اختراق خصوصية الأفراد.
فطبيعة عمل طبيب الأسنان تتيح له، بحكم الكرسي الذي يجلس عليه المريض،
أن يثار من خلال ملامسته لأجزاء حساسة، ولا شك أن البعض لديه رغبة في القول
بأن معايير الطبيب وأخلاقياته تلعب دوراً بارزاً في هذا الأمر، لأنه لو لم
تكن بداخله رغبة حقيقية لملامسة مناطق حساسة فلن يلامس، ولو بالخطأ..
والخوف أن تتسبب هذه الجرائم بكثرتها العودة للماضي بأفكاره البالية، وهي
أن الزوج يمانع وبشدة ذهاب زوجته لطبيب رجل، ويصبح المجتمع بحاجة لطبيبات
في كافة التخصصات والمجالات.
وبالنسبة لكوارث الأطباء فقد نشرت صفحات الجرائد المصرية، منذ فترة،
الحكم الصادر من المحكمة ضد طبيب الوراق، الذي تحرّش بمريضاته، ومارس الجنس
معهن، وعاقبته المحكمة بالسجن ثلاث سنوات بتهمة التعدي الجنسي على
مريضاته، داخل عيادته، وقبل أن يهدأ الرأي العام طفت على السطح جريمة طبيب
أسنان بالمطرية يدعى "عبد الرحمن.ع.ع" الذي مارس الجنس مع مريضاته، وصوّرهن
في أوضاع مخلة، وعاقبته محكمة جنح المطرية بالسجن ثلاث سنوات.. أما بعض
المدرسين فقد استغلوا ثقة تلميذاتهم فيهم، وقاموا بالاعتداء عليهن جنسياً،
بعد أن ضربوا بأخلاقيات المهنة عرض الحائط، مثل مدرس إمبابة رضا عيد،
البالغ من العمر 35 عاماً، والذي تمكّن من الاعتداء على تلميذاته جنسياً،
وقام بتصوير اعتداءاته على سيديهات، ووزعها على شباب المنطقة، وتم التوصل
إليه، وعاقبته المحكمة بالسجن ثلاث سنوات وغرامة عشرة آلاف جنيه، وأوضحت
المحكمة في حيثيات حكمها أنها تشددت في العقوبة لأن ما ارتكبه المتهم من
جرم هو اعتداء على قيم وأخلاق وعادات وحرمات، ولا يوجد دين من الأديان
السماوية يسمح بذلك.
لم يعد المواطن ينزعج من حوادث الاعتداءات الجنسية المتكررة، التي يقع
المدرس فيها متهماً، وتلميذاته ضحايا، من كثرة الحوادث بين أساتذة المدارس
الخاصة والأزهر والتعليم العام، والبعض أكد أن لا أمان في مجتمع غابت فيه
رقابة الأسرة على أبنائها، محذرين من ذهاب التلاميذ للمدرس دون رقابة، وهو
ما يمثل كارثة تحل بالمجتمع، أو ذهاب المدرس إلى التلميذات في منازلهن، كما
هو حال مدرس إمبابة المغتصب لتلميذاته.
من الواضح للرأي العام أن الأمر تعاني منه عدد من الدول العربية، التي
لهث أفرادها وراء الربح المادي، ونسوا الربح الأخلاقي الذي هو في حقيقته
ثروة سواء للزوجة أو للأبناء، ولم يدرك الكثيرون أهمية وضرورة البنيان
الاجتماعي، الذي يحمل اسم أسرة، وفي دراسة أجريت مؤخراً، عن الإدارة العامة
للتحريات والمباحث الجنائية بدبي، تبين تورط أطباء ومدرسين في جرائم مخلة
بالآداب، من بينها تحرش الأطباء جنسياً بالمريضات والطلبة، وبصفة خاصة
الطالبات، وذُكر بمصادر صحفية بدبي أن نائب مدير الإدارة العامة للتحريات
والمباحث الجنائية، المقدم جمال الجلاف، قال إن أطباء التجميل يستغلون وقوع
مريضاتهن تحت تأثير المخدر، ويقومون بملامسة أجزاء حساسة من أجسادهن، وقد
لاحظت إحدى المريضات ما يقوم به الطبيب، بعد أن تخيّل أنها وقعت تحت تأثير
المخدر، وبعد أن لاحظته يتعمد تحسس مناطق معينة من جسدها، أثناء قيامه
بالكشف عليها، واحتكاكه بها بشكل مثير للغرائز، اتصلت برجال الشرطة،
وبالانتقال لمكان البلاغ تبين أن عدداً من مريضاته يعانين من هذه
الممارسات، إلا أنهن لا يمتلكن نفس شجاعة المبلغة، وعلى الفور تم توقيفه
وأحيل إلى النيابة العامة.
ذُكر أن الإدارة العامة سجلت جرائم تحرش تورط فيها أطباء وممرضون يعملون
في عيادات خاصة، ويعملون تحديداً في مجالي التجميل والأسنان، وكشفت
الدراسة التي أجرتها الإدارة عن طبيعة الجرائم التي ترتبط بمهن معينة، ومن
أهمها أن التحرش أصبح أمراً يعاني منه المرضى والتلميذات بالمدارس، خاصة
بعد تكرار البلاغات ضد مدرسين يستغلون انفرادهم بالطلبة الأحداث وبالفتيات
القاصرات، ويعمدون إلى التحرش بهم جنسياً، سواء كان باغتصابهن، أو بتحسس
أجزاء حساسة من أجسادهن، وهناك مدرسون ضبطوا أثناء تلك الممارسات المخلة،
وأحيلوا للتحقيق.
ورصدت الدراسة أن العام الماضي في دبي شهد ضبط 26 طبيباً متهماً بالتحرش
بالمرضى، وبالإهمال، وتم ضبط 21 مدرساً في جرائم مخلة، وبالنسبة لفئة
المهندسين الذين تم ضبطهم في جرائم متنوعة فقد بلغ عددهم 17 مهندساً و26
مضيفاً جوياً و18 إعلامياً وأربعة عاملين بالبنوك، و13 وسيطاً جمركياً، و26
في مهن مختلفة تورطوا في جرائم مختلفة.. وأوضحت الدراسة أن جرائم
المهندسين بعيدة كل البعد عن التحرش الجنسي والاغتصاب، إلا أن الأطباء
والمدرسين مثلوا النسبة الأكبر، أو تصدروا قمة الهرم في هذه الجرائم، وقيل
إن العناصر الأمنية حمَّلت الأسر مسؤولية تعرض أبنائهم، وخصوصاً القاصرات،
لممارسة مخلة، بعد رصد عدد من القاصرات في مرحلة المراهقة يتوجهن إلى
عيادات التجميل لإجراء جراحات لا تناسب أعمارهن.. وحذَّرت الدراسة من خطورة
انفراد الأطباء وغيرهم بالقاصرات، والرقابة هي الحل للقضاء على جرائم
التحرش التي لا نبالغ بتأكيدنا أنها تحدث بشكل يومي، ومتكرر، ومع ذلك لا
تأخذ بعض الأسر أي عظة، أو حيطة وحذر من الجرائم السابقة، والحل يكمن في
الرقابة، وعودة دور الرقيب.