جوليا دومنا ( امبراطورة روما السورية )
انها جوليا دومنا صاحبة الفضل في ترسيخ ونقل الافكار والمظاهر الشرقية عامة الى الامبراطورية الرومانية , بل انها الاميرة التي اكدت ان المرأة قد لا تكتفي بأن تكون وراء رجل عظيم , بل كثيراً ما تكون أيضاً العقل المدبر والمثال الحي والخالد لأربعة من الاباطرة الذين حكموا روما ولأربع نساء حملن اسمها وهن اختها وبنات اختها وهذا ما كانته هي حتى اصبحت اشهر امرأة في العالم .
ولدت جوليا في مدينة امسا وهو اسم حمص القديم وكان والدها باسيان الكاهن الاعظم في معبد اله الجبل وبفضل مكانته تلقت مع شقيقتها عناية كبيرة , فدرست تراث الشرق القديم وتراث الاغريق واطلعت على ثقافة الرومان .
في عام 186 اعجب بشخصية جوليا دومنا وجمالها القائد الروماني سبتيموس سيفيروس فتزوجها على الرغم من انه يكبرها بعشرين عاماً , وقد اقدم على هذالامر بعد ان انبأته عرافة سورية بأن هذه الفتاة صاحبة نجم عال, وسوف يقترن بها يوماً ما رجل سيستلم عرش روما .
وبالفعل بعد زواجه منها تقلد عدداً من المناصب الى ان اصبح امبراطوراً على روما وبفضل امتلاك جوليا دومنا ما تعدد من الصفات الايجابية كحدة الذكاء ورصانة العقل وقوة الارادة والجرأة استطاعت ان تكون امرأة استثنائية لها مكانتها وحضورها في الامبراطورية , اذ كانت ترافق الامبراطور في رحلاته وانتصاراته , وكانت تقوم بمساعدته في تنظيم شؤون الدولة والاشراف على الدواوين .
هذا بالاضافة الى انها تمكنت من احباط العديد من المؤامرات والمكائد التي كانت تنصب لها ولزوجها في روما وخارجها , لكن دورها السياسي هذا بدا متواضعاً بالقياس الى الدور العلمي والثقافي الذي نهضت به , اذ انها كانت راعية لشؤون الآداب والعلوم ,فقد شكلت مجلساً ضم كبار العلماء والفلاسفة والادباء والشعراء والاطباء والقانونيين المعاصرين لها وصار هذا المجلس او الصالون الادبي والعلمي يعقد بصورة منتظمة ويناقش العديد من القضايا الفكرية والعلمية , وبناء على هذا كله فقد حظيت بمكانة كبيرة لدى الرومان واكتسبت ثقتهم والدليل على ذلك هو منحها العديد من الاقاب الرفيعة مثل ام الوطن وام مجلس الشيوخ وام الجيوش, وقد منحها زوجها لقب (أوغوسطا ) اي امبراطورة والدينار الروماني سك باسمها ونقشت عليه صورتها .
توفي زوجها الامبراطور فتولى ابناها كركلا وغيتا الامبراطورية بصورة متكافئة بوصفهما وريثين شريكين في العرش الروماني , لكن سرعان ما اتضح ان هذين من طبيعتين مختلفتين وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها والدتهما للتوفيق ما بين الاثنين فان الامر كان مستحيلاً فاقترح بعض المستشارين ان تقسًَم الامبراطورية فيما بينهما .
لكن جوليا دومنا رفضت مشروع التقسيم بصورة قاطعة حرصاً منها على وحدة الامبراطورية وايماناً منها بان عظمة الرومان في وحدتهم , وقالت لابنيها : افضل ان يقطع جسدي ارباً ارباً على ان تقسًَم الامبراطورية , وفي عام 212 قام كركلا الابن الاكبر بقتل اخيه غيتا الذي كان بين ذراعي امه التي حاولت حمايته,وقد منعها مع الاخرين من اقامة الماتم ومراسم الحزن على اخيه , تمالكت نفسها وعملت على مساعدة ابنها كركلا في قيادة الامبراطورية وحمايتها , اذ تولت الاشراف على السياسة الداخلية والخارجية بفطنة وحكمة واعتدال وحاولت ان تقوًِم الكثير من تصرفات ابنها ونهجه السياسي وهي من كانت وراء المرسوم الشهير الذي اصدره كركلا والذي ينص على منح حقوق المواطنة الرومانية لجميع سكان الامبراطورية الاحرار بعد ان كانت هذه الحقوق حكراً على اهل ايطاليا فقط .
اخيراً قتل كركلا حيث تمت تصفيته بخطة مدبرة شارك فيها قائد الحرس الامبراطوري مكرينس الذي استولى على السلطة ونفى جوليا الى انطاكية , ولم يكن لها ان تحتمل موت زوجها وابنيها اضافة الى اصابتها بسرطان الصدر ورغم ذلك حاولت النسيان متوعدة بالانتقام من قاتل ولدها الذي ادرك ما تريد وهو بسبب خشيته وضعفه امام ما قد تدبر له ارسل شرذمة من جنوده لالقاء القبض عليها وارجاعها الى حمص مدينتها الاصلية .
رفضت جوليا الذهاب فحاصرها الضابط المبعوث ولانها رفضت كل ما قدم اليها من طعام او شراب اعتراها النحول وخيبة الامل فماتت وهي في الخامسة والاربعين من عمرها .
لقد حرقت جثتها فنقل الجثمان الى روما , لكن شقيقتها التي تدربت على يدها (جوليا ماسيا ) استلمت السلطة فأمرت بنبش القبر ونقلت قارورة الرماد التي تحمل جثتها وكذلك قارورة تحمل رماد جسم ولدها المغدور غيتا لتدفنهما في المقبرة الامبراطورية للانطوائيين , بعد ذلك وانتقاماً لشقيقتها توجهت الى جمص بعد ان جهزت جيشاً وقامت بالهجوم على ماكرينس المغتصب والذي اخفق في الاحتفاظ بمركزه, فانهزم على يد قواتها وهذا ما كانت قد توعدت به ليتسلم ولدها شؤون الحكم ومن ثم شقيقتها الاخرى ولتبقى ارادة جوليا الاصل هي الحاكمة الى فترة طويلة .