زمرد خاتون(صفوة الملك) ملكة دمشق المنسية
أميرة تركمانية ابنة الأمير جاولي حاكم القدس وعمها أتسز الخوارزمي من قادة السلاجقة وأخوها لأمها دقاق بن تتش السلجوقي صاحب دمشق وزوجها بورى بن طفتكين الذي ورث خلافة دمشق من والده وحكمت معه هذه المملكة سنوات .
كانت دمشق منذ بداية الحروب الصليبية محكومة من قبل قائد تركي من مماليك السلاجقة الأشداء هو ظهر الدين طفتكين ومعناه المحارب (الذي سرعان ما أفل نجمه بعد شهرين من بروز عماد الدين الزنكي ,الرجل الذي وضع نصب عينيه هدفاً واحداً هو توحيد القوى الاسلامية ) ما جعل طفتكين يترك الحكم لابنه بورى أي الذئب.
وقد تزوجت زمرد خاتون بورى عندما وصل الصليبيون بلاد الشام (493-1099) فأصبحت ملكة حكمت معه سنوات الى ان اغتيل من قبل الباطنية عندئذ استلم ابنهما الأول اسماعيل الحكم , الا انه كان غير مؤهل اذ اصبح حاكماً كريهاً لكنه كان مفضل على الزنكي من قبل القواد والحاشية وأهل البلد .
ووصل الهمس الى الملكة الأم صفوة الملك ,الهمس الذي لم يقتصر على شناعة اعمال ابنها واتصاله بالزنكي يساومه على تسليم البلد وانما ما اشاعه عنها من تشكيك في سيرتها واتهامها بأبشع الصفات , وما كادت العجوز التي بلغت الستين من عمرها تسمع بهذا الكلام حتى جن جنونها لتجعل من قلعة دمشق شاهدة على ما لم تشهد عليه من قبل ولا بعد .
وقفت في صدر القلعة الدمشقية وأمرت مماليكها بتمزيق جسد ابنها بسيوفهم ودون رحمة أو تلبية لاستغاثة وقفت امامها أشد جموداً وقسوة عواطف ذلك انها وبعد ان تحول الجسد الى أشلاء استدعت الناس ليروا الجثة ثم نصبت ابنها الآخر (شهاب الدين محمود) لتكون ومنذ اللحظة الأولى صاحبة القرار .
أما الزنكي الذي قاومت محاولاته بضراوة فلم يجد بداً من استخدام طريقة ماكرة وهي الزواج السياسي الذي دفعه للإرسال في طلب يدها - وتوافق العجوز مثلما لا يمانع كبار قادتها الذين وجدوها فرصة للتخلص من قبضتها وسلطتها القوية .
ولأن الأمور لا تجري كما يشتهي الانسان ,فقد جهزت الملكة واخرجت بعربتها حيث الزنكي في حمص -لتغلق الأبواب الدمشقية دونها ودون الزنكي الذي لم يظفر سوى بعجوز ارسلها الى خلب الى ان اغرقها النسيان.
أما زمرد خاتون بقيت 9 سنوات بحلب وهي تنتظر عماد الدين الزنكي الذي كان يحارب الصليبييين في الشمال وعندما قتل لدى حصاره قلعة جعبر عادت الى دمشق وكان قد نسيها اهل دمشق واصبحت في اعماق الماضي وتغير كل شيء فيها ولم يتعرف عليها احد فسافرت الى بغداد ومن هناك سافرت مع افواج الحجاج الى الحجاز وبقيت بمكة مدة عام بعد ان حجت ثم أقامت بالمدينة المنورة بجوار قبر الرسول (ص) الى ان ماتت عام 557 هـ ودفنت في البقيع بالمدينة دون ان يعرفوا ان هذه العجوز الفقيرة التي عرفوها تغربل القمح والشعير وتتقوت باجرتها هي نفسها الملكة زمرد خاتون صفوة الملك ملكة دمشق .
كانت امرأة قوية في حكمها وادارتها لمملكتها ومملكة زوجها وابنها , محبة لوطنها وشعبها , صادقة في ايمانها لدينها ,وهي من ربات العقل والحزم والدين والصلاح ,كثيرة الصوم والصلاة وتجلب العلماء والصالحين , استنسخت الكتب وقرات القرآن الكريم وحفظته.
يبقى ان نقول :إن هناك أمراً قامت به فغفر لها - فبغض النظر عما لاقته من دعاء من قبل اولئك الذين بنت لهم مسجداً غربي دمشق هو (مسجد الأصحاب) فقد بنت مدرسة للفقه كانت من اكبر المدارس وأشدها رزقاً واقبالاً من العلماء والطلاب الذين ظلوا ينعمون بما قدمته هذه المرأة عدة قرون الى ان غمرها النسيان المطلق .