رائعة أبي ذؤيب في رثاء أبنائه
شاعرنا اليوم أعظم شعراء هذيل بلا منازع إنه أبوذؤيب خويلد بن خالد الهذلي وهو الذي قال عنه حسان بن ثابت " أشعر الناس حياً هذيل،وأشعر هذيل غير مدافع أبو ذؤيب". أما الأصمعي وأبو عمرو بن العلاء أعظم نقاد الأدب العربي فقد أثنيا على قصيدته التي سنوردها وقالا أن أحكم بيت قالته العرب فيها وهو قول أبي ذؤيب:
والنـَّفس راغبة إذا رغبتها وإذا تـُرد إلى قليلٍ تقنعُ
كما قال كثير من النقاد أن أحسن ماقيل في الصبر هو قول أبي ذؤيب:
وتـَجَلـُّدِي للشـَّامتين أُريهُمُ أنـِّي لريب الدَّهر لاأتضعضعُ
وجاء في بعض مرويات الأدب أن أبا جعفر المنصور لما مات ابنه الأكبر جعفر طلب من أهل بيته من ينشده هذه القصيدة فلم يجد ، ثم وجد شيخاً أديباً قيل أنه المفضل الضبي الذي كان يلاحقه أبو جعفر لتشيعه لآل البيت فاستنشده القصيدة فأنشدها فأجازه وأطلق سراحه على شرط أن يعلم أبناءه هذه القصيدة وأمثالها وقيل أن المفضل جمع مع هذه القصيدة عدداً من أشعار المقلين من شعراء الجاهلية فأخرج لنا ذلك الكتاب الذي لم يكن له مثيل في رواية أشعار الجاهليين وهو كتاب "المفضليات" . وقيل أن أعظم ماعمله الشافعي ليتعلم العربية الفصحى على أصولها أنه عاش في هذيل ليروي شعرهم الذي على رأس مارواه من شعرهم هذه القصيدة.
أما قصة قصيدتنا التي تعتبر من أعظم مرثيات العرب على الإطلاق هي أن شاعرنا كان له خمسة من الأبناء عرفوا بالنجدة والشجاعة والكفاية وكانوا نور عين والدهم فاستأذنوه للجهاد مع المسلمين حين اتجهوا لفتح مصر فأذن لهم فذهبوا وفتحوا مصر مع جيوش المسلمين ولكنهم في أثناء ذلك أصابهم الطاعون فقضوا جميعهم مرة واحدة وأتى نعيهم لأبيهم الذي تشققت كبده عليهم فقال:
أمِنَ المَـنون ِ ورَيبـِها تتـوجَّـعُ
والدهر ليس بمُعتِبٍ من يَجْزَعُ
قالت أُمَيْمَة ُ ما لِجسْمِكَ شاحِباً
منذ اُبْتـُذِلـْتَ ومِثـلُ مَالـِكَ يَنـْفـَعُ
أم مَا لِجَنـْبـِك لا يُلائِمُ مَضْجَعاً
إلا أقـَضَّ عليك ذاك المَضْجَعُ
فأجبـتـُها: أمَّــا لـِجسْـمي أنـَّه
أوْدَى بَنِيَّ من الـبلادِ فـوَدَّعُـوا
أودى بـَنِيَّ وأعـقبوني غُصَّة ً
بعـد الـرقـاد وعبرةً لاتـقـلـعُ
سبقوا هواي وأعنقوا لهواهُمُ
فتُخرِّموا ولِكـُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ
فغـَبَرْتُ بَعدَهُمُ بـِعَيْشٍ ناصبٍ
وإخـالُ أنـِّي لاحقٌ مُسْـتـَتـْبَعُ
ولقد حَرَصْتُ بأن أُدافِعَ عَنْهُمُ
فإذا المَـنـِيـَّة ُ أَقـبلـت لاتـُدْفـَعُ
وإذا الـمنية أنشـَبت أظفـارهـا
ألـْفـَيـْتَ كل تـَمِـيمَـةٍ لاتنفعُ
فالعين بعـدهمُ كـأن حِـداقـَها
سُمِلـَت بـِشَوْكٍ فهي عُورٌ تـَدْمَعُ
حتى كأنـِّي للحوادثِ مَرْوَة ٌ
بصفا المشرق كل يومٍ تُقرعُ
وتـَجَلـُّدِي للشَّامِتِينَ أرِيهُمُ
أنـِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لا أتضعضعُ
والنـَّفس راغـِبَة ٌ إذا رَغـَّبْتـَها
وإذا تـُرَدُّ إلى قـَلِـيـلٍ تـَقـْنـَعُ
ولئن بـِهـِم فـَجَعَ الزَّمَانُ ورَيبُهُ
إنـِّي بأهْــل ِ مَوَّدَتي لـمُـفـَجَّـعُ