[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

لما أخذ الفرنسيون في كتابة الملهاة جعلوا غايتها أول الأمر الإضحاك، ولم
يرتفع بها إلى الفن الأدبي الرفيع إلا موليير، وهو عند الفرنسيين أديب
فرنسا غير مدافع والذي استطاع أن يمثل بأدبه وروحه خصائص الشعب الفرنسي

وأن يخلق لنا أدباً عالميا ممتازاً

من هو موليير

ولد "جان بابتست بوكلان" الذي اختار لنفسه فيما بعد اسم (موليير) ببارس سنة
1722 من أب يشتغل بالتجارة ويعيش في يسر وسعة، وفقد أمه وهو في العاشرة من
عمره وتعهده أبوه تعهداً حسناً فاختار له كلية (الجزويت) في كليرمون فدرس
ثمة عيون الأدب القديمة، وكانت الكلية تعنى باللاتينية أكثر مما تعنى
بالاغريقية، واتصل هناك بالفيلسوف (جلسندي) وتأثر بكثير من آرائه الحرة
وبعد ان أنتهى من دراسته بالكلية قضى عاماً في دراسة البلاغة، وعامين بعد
ذلك في دراسة الفلسفة، وكان في أثناء دراسته للفلسفة ينعم بقسط من الحرية
مكنه من التردد على دور التمثيل فيشهد بعض المسرحيات الهزلية الشعبية، وقد
استهواه المسرح، ولكنه لم يفكر في إنهاء دراسته بعد فالتحق بمدرسة الحقوق
بمدينة (أورليان) ونال إجازتها ومع هذا فقد أراد له أبوه أن يخلفه في
تجارته، وأن يتصل بالقصر كما كان متصلا به في صورة متعهد، وقد شغل هذه
الوظيفة مدة ضاق فيها بحياة القصور والسير في ركاب الملوك ومزاحمة الحجاب
والخدم على إرضاء سيد القصر، وقد أبت طبيعته الفنية ذلك، وشاء له القدر أن
يتعرف على أسرة "بيجار" التي تحترف التمثيل فربط مصيره بمصيرها، وأرسل إلى
والده وهو في الحادية والعشرين من عمره ينبه عن تخليه عن وظيفته بالقصر
ورغبته في الاشتغال بالتمثيل، وسأله أن يرد عليه شيئاً من المال الذي خلفته
له والدته . وقد غضب الأب غضباً شديداً لهذه العزيمة ولكنه لم يحرمه ميراث
أمه فأعطاه بعض المال ونفض منه يديه، وقد أنفق موليير هذا المال في دعم
حياته المسرحية. ولكنه باء بالإخفاق وتراكمت عليه وعلى شركائه الديون. وكاد
طالعه النحس يفضي به إلى السجن، وأخيراً اعتزمت الفرقة أن تجرب حظها في
الأقاليم فغادرت باريس، وظل موليير بعيداً عن تلك المدينة العظيمة يجوب
أرجاء فرنسا كلها مدة اثني عشر عاماً، وقد أفادته هذه السنوات في حياته
المسرحية فائدة جليلة، لأنه تمرس بأصول الفن المسرحي، وعرف كثيراً من
العادات واللهجات وشتى ضروب الحياة مما كان له أكبر الأثر في كتابته. وقد
عرف في هذه الحقبة موهبته على حقيقتها وأنه لا يصلح للأدوار الجدية وأنه
خلق للتمثيل الهزلي، ولم يفكر حتى ذلك الوقت في التأليف المسرحي، ثم أخذ
يكتب فصولاً قصيرة لتسلية الجمهور وبعث الضحك ولم تكن هذه الفصول ذات بال
من الوجهة الفنية، ولكنها أطلعته على مقدرته في إثارة الضحك، وأخيراً كتب
ملهاة "المشدوه" من خمسة فصول ومثلت بمدينة "ليون" أول الأمر، وقد لاقت
نجاحا عظيما حينما مثلت بباريس بعد ذلك. وقد رأى موليير أن باستطاعته أن
يكتب للمسرح، وأن يسخر ثقافته الواسعة، وتجاربه الكثيرة لخدمة الأدب، وألا
يكتفي بالتمثيل.
وأخيراً انتقلت الفرقة إلى باريس في عام 1658، وهو في السادسة والثلاثين من
عمره وقد سبقته إليها شهرته وصيته، وفي القصر مثل موليير لأول مرة بعد
عودة "نيكوميد" لكورني والطبيب العاشق لموليير وقد صادفت الأخيرة نجاحاً
عظيماً وضحك الملك لها ضحكا لم ينسه بقية حياته وأمر بأن تخصص إحدى قاعات
فرساي لهذه الفرقة التمثيلية الناجحة.

ومن ثم أخذ موليير يزداد حماسة في نتاجه الأدبي ويخرج المسرحية تلو
المسرحية حتى استطاع في مدى خمسة عشر عاماً بقيت له من حياته أن يؤلف
ثمانياً وعشرين ملهاة مع أنه كان مشرفاً على إدارة الفرقة، ويقوم بتمثيل
أصعب الأدوار في مسرحياته، ولذلك لم تحتمل بنيته كل هذا المجهود فقضى نحبه
في فبراير عام 1673 وهو يمثل دوره في آخر مسرحيته (المريض الموهوم).

وقبل أن نتكلم عن فن موليير ومسرحياته يجدر بنا أن نلقي نظرة عابرة على بعض
المؤثرات التي وجهت فنه وطريقته وجهة خاصة وجعلته يخرج خروجاً واضحا على
تقاليد المدرسة الاتباعية في كثير من الأمور؛ ولقد عرفت آنفاً أنه قد تثقف
ثقافة عالية، ودرس آداب القدماء دراسة مستفيضة، وحذق فن البلاغة وتعمق في
دراسة الفلسفة، ولكنه اكتسب من مناقشاته للفيلسوف الفرنسي المعاصر له
(جلسندي) كثيراً من آرائه الحرة ودرس الحقوق وأفاد منها قوة الحجة ونصاعة
البيان، كما عرفت أنه أفاد من رحلته بفرقته خلال اثني عشر عاماً في جميع
أرجاء فرنسا فوائد لا تحصى جعلته يفهم الحياة على حقيقتها، ويخالط كثيراً
من أفراد الشعب ويعيش عيشتهم ويتقن لهجاتهم، ويتعرف على أخلاقهم وعاداتهم
ودخائل نفوسهم، ولقد كان لهذا أثره العظيم في فنه، ومن المؤثرات الواضحة
على نتاجه زوجته (أرماند بيجار) وهي فتاة لعوب من تلك الأسرة التي ربط
مصيره بمصيرها، وكانت أسرة (بيجار) متحللة شأن المشتغلين بالمسرح حينذاك،
وقد كانت أرماند ربيبته تقريباً تصغره بعشرين عاماً، إذ كان في الاربعين
وهي في العشرين، وكانت جميلة لعوباً، فلم تحافظ على أواصر الزوجية وحقوقها،
وكان سلوكها يصير في نفسه الغيرة، ويضرم النار في أحشائه. ولقد كان لهذه
الحياة الزوجية التعسة أثر بالغ في نتاج موليير، ونظرته إلى النساء. لقد
كان يستلهم في نتاجه إحساسه ومشاعره وحياته وحياة زوجته، ويسخر من نفسه ومن
يقرأ روايته (مدرسة النساء) يجد فيها صورة من حياة موليير وآراءه في
الزواج، فقد أدرك خطأه بزواجه من فتاة تصغره بسنوات كثيرة، وأدرك أن الحيطة
الشديدة، والتعليمات الصارمة التي تلقى على الزوجة مع هذا الفارق الكبير
في السن لا تجدي شيئاً لأن عاطفتها وأنوثتها سيدفعانها إلى شاب في مثل
سنها.
لقد صور موليير نفسية أرنولف تصويراً بارعاً عميقاً وأجاد كل الإجادة في
تصوير العواطف المصطرعة وأبرز فكرته الفلسفية التي تكمن وراء هذه المسرحية
بوضوح وجلاء ألا وهي: إن الغريزة الطبيعية تدفع الشباب إلى الشباب، وإن
فضيلة المرأة لا تقوم على جهلها بالرذيلة فحسب فمن لا يعرف الشر كان حريا
أن يقع فيه. وقد اعتبرت هذه الملهاة من أجود نتاج موليير. ونرى كذلك كل
حياته الزوجية التعسة في مسرحية (كاره البشر) فقد صور جانباً من نفسيته في
(إلسست) بطل هذه الرواية ومثل زوجته في (سليمين).

وثمة عامل آخر كان له أثر قوي من نتاج موليير ألا وهو حماية الملك له من
أعدائه الكثيرين، فقد مكنته هذه الرعاية من أن يمضي في نتاجه الأدبي على
طبيعته لا يلوي على شيء ولا يحفل بأحد، وينقد المجتمع كما شاء له فنه،
ولولا هذه الحماية وذلك التشجيع لقضى عليه أعداؤه من أول وهلة وكانوا أشداء
أقوياء، بل كانوا أعظم شيء في فرنسا بعد الملك. لأنه عادى الطبقة
الارستقراطية وسخر منها سخريات بالغات لاذعات جعلها تحنق عليه حنقاً
عظيماً. ترى ذلك في مسرحيته (النساء المتحذلقات) ، وفي (دون جوان) وعادى
رجال الدين والمنافقين في رواية (ترتوف) وعادى الأطباء في رواية (الحب
المداوي) وكانت سطوة رجال الدين لا يستهان بها ولولا أن الملك أضفى عليه
حمايته لما نجا من أيديهم، ولقضى على مستقبله المسرحي. أضيف إلى ذلك أنه
عادى طبقة النبلاء وسخر منهم من تأنثهم وتفاهة شأنهم وفسقهم في كثير من
رواياته تجد ذلك في كاره البشر وفي النساء وفي المتحذلقات ودون جوان
وغيرهما، وعادى أثرياء الطبقة الوسطى من الشعب الذين لم يقنعوا لما لديهم
من مال بل راحوا يحاولون اكتساب الوجاهة وتقليد الطبقة الارستقراطية كما
ترى هذا في "السيد البرجوازي" وعلى العموم فقد وضع موليير نفسه في عداء مع
مجتمعه ينقده بحرارة وقسوة، فتألبت عليه فئات كثيرة، كما نفس عليه الأدباء
نجاحه ومكانته لدى الملك، وكان كل هذا كفيلا بأن يحطم قلمه ومسرحه لولا أن
ظلله الملك بحمايته، ولكن هذه المكانة جنت عليه أحياناً فقد كان الملك
بطلبه بين الفينة والفينة أن يكتب مسرحية مضحكة خالية من تلك التحليلات
النفسية العميقة غير متقيدة بأصول الفن، وكان عليه أن يرضيه فجاءت بعض
ملاهيه تهريجاً Farce بعيدة عن الفن الرفيع، ومن أمثال هذا الضرب من
المهازل (الزواج بالاكراه) و (الطبيب رغم انفه).


من مقولاته /


خير للإنسان أن يكون في عداد المجانين من أن يكون العاقل وحده..


أحمق جاهل أفضل من أحمق متعلم


كم هو مزعج ألا يسمح القانون للمرأة بتغيير زوجها كما تغير قميصها


أعيش على حساء جيد.. ليس على كلمات منمقة


أفضل النقيصة المبهجة على الفضيلة المملة


نحن لسنا مسؤولون عما نفعل فقط وإنما عما لم نفعل أيضاً


دور الملهاة أن تصلح أخطاء الإنسان من خلال إضحاكه


الشجرة التي تنمو ببطء تحمل الفاكهة الأفضل


الكتابة كالبغاء، في البداية تمارسها من أجل الحب، ثم من أجل بضع أصدقاء، ثم من أجل المال..


من يستطيع أن يمسك بي وأنا متلبس بالجرم المشهود يتعلم كيف يستفيد من زلتي ليسير في الطريق القويم

لا أطلب من المرأة الصالحة سوى حلو الكلام والتضرع إلى الله والطبخ والخياطة وسائر الأعمال المنزلية

أحبذ أن تكون زوجتي بلهاء وبشعة، وأن لا تكون حسناء كثيرة الفطنة والفتنة ومستبدة طاغية

قد تنزلق المرأة الذكية إلى ارتكاب الخيانة أحياناً إذا تجاسرت على خلع
العذار.أما البليدة الطبع فإنها لا تحجم عن اتيان المنكرات في اغلب
المناسبات ربما بدون قصد وتصميم.


وهنا للتحميل أعمال موليير الكامله /
موليير الأعمال الكاملة المجلد الأول
موليير .. الاعمال الكاملة المجلد الثانى.
موليير .. الاعمال الكاملة المجلد الرابع.