لم تكن محاضرة , ولم يكن لقاءاً ثقافياً عادياً بين سيدة تعيش هموم بلدها وتحلم به أفضل وبين جمهور فرنسي أوربي جاء يدفعه الفضول للاستماع إلى شيء ما عن تاريخ سورية , كانت حالة حضارية فريدة لا أذكر أنني تابعت أو شاهدت مثلها على امتداد عمري المهني بل إنني لم اقرأ عن شيء يشبهها , مساء الجمعة كنت هناك في شارع هوش المتكئ على قوس النصر في عاصمة النور , كنت في مبنى أكاديمية الدبلوماسية الدولية التي يديرها أحد أبرز السياسيين الفرنسيين في الوقت الحالي جان كلود كوسران , كنت حاضراً عندما تحدثت السيدة أسماء الأسد أمام جمهور نخبوي مميز من السفراء والكتاب والسياسيين ورجال الفكر عن رؤيتها الثقافية التي تحلم وتعمل من أجل تطبيقها على أرض سورية ذات التاريخ العريق والذي هو كما شرحت تاريخ البشرية , والحقيقة كنت وأنا الجالس في صفوف الحضور أشعر أن قامتي تمددت إلى ما فوق سقف هذه الصالة الأيقونة , لقد تعملقت وأنا أرى كيف حطت الطير على رؤوس جميع الحضور وكيف أخذتهم الدهشة إلى عوالمها السحرية وهم يتطلعون إلى صورة سورية الحضارية الراقية المعجونة بروح التسامح المسكونة بهم الإنسان الذي هو نتاج تكثيف وتمازج لثقافات وفكر لا يقبل الآخر فحسب بل يبحث عنه ليتفاعل معه , يأخذ منه بتواضع الكريم ويعطيه بنبل الفارس, كانت هذه السيدة السورية العصرية ترتجل كلماتها كنهر يعرف أين يسير , كانت تغرف من بحر معرفة بتاريخ البلاد التي أعطت البشرية الديانات السماوية وأعطت الأبجدية وأعطت الفن والإبداع كل هذا التنوع والغنى , من غير تكلف شرحت فكرتها ورؤيتها , بلغة الواثق رسمت صورة طموح وطني كبير لمشروع ثقافي ينقل كنوز سورية الحضارية من صمت المخازن إلى وهج المعرفة والإسهام في النماء والتطور , قالت أنها لا تريد أن تتحدث في السياسة ولكنها من غير أن تقصد أنجزت في حديثها أمام هذا الجمع المميز عملاً خلاقاً يصب في روح السياسة , هنا في هذه القاعة رأى الحضور صورة أخرى لسورية غير تلك التي سوقها شطار الإعلام , في أكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس رأى الحاضرون مساء الجمعة صورة حقيقية مسحت كل أشكال وصور الزيف والتزوير التي اخترعها بحقد بعض الإعلام عن البلاد التي أتقنت على مر العصور صناعة التاريخ والتسامح , رأى صورة المرأة السورية المثقفة التي ترفض كل أشكال التطرف والتمييز الحالمة بأيام أفضل لأهلها وأمتها , تحاور وتشرح , تستحضر الأرقام من ذاكرة غنية , ترسم الصور بكلمات وإبداع الفنان المتمرس , في موضوع مواجهة التطرف نادت بالثقافة والتعليم سلاحاً وحصانة , في السلام شرحت كيف تكون ثقافة السلام وكيف نمهد الطريق لنصل إلى السلام الذي هو مطلب سورية لكن واقع الحال أنه ليس لدينا شريك نصنع معه السلام بل محتل وقاتل لا يحترم المواثيق ولا يريد غير الدمار , وفي كل فكرة نلحظ كيف تدفعنا إلى أحضان الثقافة التي هي الرافعة الأكبر في المجتمع , رافعة النماء والاقتصاد والرفاه والاعتدال بل هي الأرض الخصبة التي لا تنبت إلا التسامح والفكر والإبداع , شكرا سيدتي ..شكرا يا رفيقة درب بشار الأسد لقد قدمت الصورة الحقيقية لسورية , لقد مسحت عن وجوهنا تعب الزيف وغبار التزوير , شكرا ..لقد جعلت الحضارة السورية تشع في سماء باريس .