أساطير الخصب السومرية
ويقترن اسم الإلهة ((عينانا)) بعدد من الأساطير السومريّة المدونة بالخط المسماري. فهناك أسطورة تحكي تفاصيل رحلتها إلى مدينة (أريدو) السومريّة، مركز الإله (أنكي) إله الحكمة والمعرفة. وكانت الغاية من تلك الرحلة أن تحصل ((عينانا)) على النواميس الإلاهية لفنون الحضارة من الإله (أنكي) وتنقلها إلى مدينتها (الورقاء) لتجعل منها مدينة متحضِّرة.
وتسرد أسطورة سومريّة أخرى لنا كيف أن الإلهة ((عينانا)) نقلت ذات يوم شجيرة تنبت على ضفة نهر الفرات إلى مدينة (الورقاء) وزرعتها في "بستانها المقدّس" على أمل أن تنمو تلك الشجيرة وتصير شجرة سامقة الأغصان فتصنع من خشبها عرشاً وسريراً لها. وعندما كبرت الشجرة وحان وقت قطع أغصانها اكتشفت أن أفعى قد اتخذت من أسفلها مخبأ، وأن طيراً بنى في أعلاها عُشّاً، وأن عفريتة استقرت في وسط جذعها. فاستنجدت ((عينانا)) بأخيها (أوتو) إله الشمس الذي أسند المهمة إلى البطل المشهور (جلجامش)، فجاء هذا البطل متسلِّحاً بدرع سميك وفأس ثقيلة، واستطاع أن يقتل الأفعى، وعند ذاك فرّ الطير وهربت العفريتة إلى الخرائب المهجورة، فقطع (جلجامش) أغصان الشجرة وحملها هدية إلى ((عينانا)) لتصنع منها عرشاً وسريراً.
عشّاق إلهة الحبّ والجنس
ولما كانت ((عينانا)) مرهفة الحسّ جامحة الرغبة جذّابة الملامح ساحرة القول، فقد تعددت قصص غرامها وكثر عشّاقها. وكلُّ واحد منهم يطمع في الفوز بها، لتهطل الأمطار على أراضيه، وتكثر الغلال في حقوله، وتزداد محاصيله، ويرفل بالرفاء والغنى.
وتذكر ملحمة جلجامش أن الإلهة ((عينانا)) نظرت ذات يوم إلى الملك جلجامش، عاهل الورقاء، بعد أن عاد ظافراً من معركته الرهيبة مع العفريت (خمبابا)، المُوكل بحراسة غابات الأرز، فأسرها جماله، وفتنتها رجولته، فعرضت عليه أن يتزوَّجها. ولكن الملك الشجاع جلجامش رفض عرضها خوفاً من تَقلّب أحوالها وخشية خيانتها له، ولم يتردد في الإفصاح عن مشاعره الحقيقية، فتمادى في جرح مشاعرها بقوله:
(( ما أنتِ إلا مَوقد سرعان ما تخمد ناره في البرد
أنتِ باب لا ينفع في صدِّ ريح عاصفة
أنتِ قصرٌ يتحطم في داخله الأبطال
أنتِ بئر تبتلع غطاءها
أنت حفنةُ قيرٍٍ تلوِّث حاملَها
أنت قربةُ ماء تبلِّل صاحبها…
أنت حذاء تقرص قدم منتعلها..))
عشتار.. رسم عالمي حديث
ثم يذكّرها بخياناتها السابقة فيقول:
(( فأيّ من عشّاقك أحببتِ إلى الأبد؟
وأي من رعاتك مَن طاب لك على الدوام؟
تعالي أسمّي لك عشّاقك…
وبعد ما أحببتِ طير الشقرتق المرقّط
ضربتِه وكسرت جناحه
وها هو قابع في البساتين يصيح يا جناحي
ثم أحببتِ الأسد الكامل القوة
ولكن حفرتِ له سبعَ وسبعَ حفر
وأحببتِ الحصان المجلّي في المعركة والسباق
ولكنك كتبت عليه الجري سبعة فراسخ مضاعفة
وحكمتِ عليه بالعدو شوط سبع ساعات مضاعفة
وقضيتِ عليه أن لا يَرِد الماء إلا بعد أن يعكّره…
ومن ثم أحببتِ راعي القطيع
الذي كان يكدِّس لك أرغفة الخبز المحمَّصة على الدوام
ويذبح لك الجداء كل يوم
ولكنك ضربتِه ومسخته ذئباً
حتى صار رفاقه في الرعي يطاردونه
وصارت كلابه تعضّ فخذيه…
فإذا ما أحببتني فإنك ستجعليني مثلهم))!