السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
.. جزاكم الله خيرا على ما تقضونه في هذا الصرح لخدمة دينه الحنيف ..
سؤال طالما حيرني كثيرا .. و هو ما حكم الجماعة الثانية للمسجد ذو الإمام
الراتب .. حيث أني رأيت أناساً يدخلون على الرجل الذي يتم صلاته و يلتصق
به أو يضع يده على كتفه (لكي يفهمه أنه قد التحق به) و أحيانا المؤتم الذي
يتم صلاته قد يصبح إمام و بعد انتهائه من الصلاة مع إمامه السابق..
المؤتم الثاني يصبح إماماً (بنفس الطريقة) أي بدخول رجل جديد و التحاقه به بهذه الطريقة المذكورة سابقا (وصلت فكرتي ؟ )
فما رأيكم بهذا الفعل و هل في السنة صفة للالتحاق بالمتفرد المتم لصلاته ؟
جزاكم الله كل خير شيخنا .. و اعذرني على الإطالة
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
وبارك الله فيك .
هذه
مِن المسائل التي اختلف فيها العلماء ، فبعضهم يُصحح هذه الطريقة في
الائتمام ، وبعضهم يمنع منها ، بل بعض العلماء مَنَع مِن إقامة جماعة
ثانية ، من باب الحثّ على إدراك الجماعة الأولى .
والذي
يَظهر أنه لا يُمنع مِن الجماعة الثانية لِعموم قوله عليه الصلاة والسلام
: مَنْ يَتَصَدَّق على هذا فيُصلي معه ؟ فقام رجل من القوم ، فصلى معه .
رواه الإمام أحمد .
ولو
كانت إقامة جماعة ثانية لا تَجوز لبيَّـنه عليه الصلاة والسلام ، إذ
القاعدة عند العلماء : أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
وبالنسبة
للمأموم إذا قام يُتِمّ ما فاته فإنه يُصبِح مُنفرِدًا ، والمنفَرِد
يَصِحّ أن يكون إماما إذا حضر معه غيره ، بشرط أن ينوي المنفرد الإمامة .
فلو صلّى إنسان مُنْفَرِدا ثم جاء شخص واقتدى به ، ونوى الْمُقْتَدَى به الإمامة ؛ صَحّت صلاتهما ، وصَحّ أنهما جماعة .
وقد صلّى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مُنفردا ثم جاء حذيفة رضي الله عنه واقتدى به ، كما في صحيح مسلم .
وصلّى مرة كذلك واقتدى به ابن مسعود رضي الله عنه ، كما في الصحيحين .
وصلى
النبي صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة الليل ثم قام ابن عباس رضي الله عنهما
وصفّ مع النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره ، فأخذ بأذنه فَجعله عن يمينه
، كما في الصحيحين .
وصَلّى وصّلى بِصلاته رِجال ، ثم كثروا ، ليلتين أو ثلاثا ، كما في الصحيحين .
ومع ذلك لَم يُبيِّن أن صلاتهم لا تَصِحّ في حال الفرض ، ولا أنها لا تَصِحّ إذا لم ينو المنفرِد الإمامة .
قال
البهوتي في كشّاف القِناع : وَمِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ : أَنْ يَنْوِيَ
الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا ، بِأَنْ يَنْوِيَ الإِمَامُ :
الإِمَامَةَ ، وَيَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الائْتِمَامَ - فَرْضًا وَنَفْلا -
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّمَا لِكُلِّ
امْرِئٍ مَا نَوَى . فَيَنْوِي الإِمَامُ : أَنَّهُ مُقْتَدًى بِهِ ،
وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ : أَنَّهُ مُقْتَدٍ . اهـ .
وقال ابن قدامة : وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَصَلَّى مَعَهُ ، فَنَوَى إمَامَتَهُ ، صَحَّ فِي النَّفْلِ .
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ . اهـ .
وفي
حديث جابر : ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحوض فتوضأ منه ،
ثم قُمْتُ فتوضأت مِن مُتوضّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب جَبار
بن صخر يقضى حاجته ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي ، ثم جئت
حتى قُمْت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بيدي فأدارني حتى
أقامني عن يمينه ، ثم جاء جَبّار بن صخر فتوضأ ، ثم جاء ، فقام عن يسار
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخَذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بِيدينا جميعا فَدَفَعنا حتى أقامنا خَلْفَه . رواه مسلم .
قال ابن قدامة : وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَلاةً مَفْرُوضَةً ، لأَنَّهُمْ كَانُوا مُسَافِرِينَ .
وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لا يَصِحُّ ،
هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ ، فِي
الْفَرْضِ وَالـنَّفَلِ جَمِيعًا ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الإِمَامَةَ فِي
ابْتِدَاءِ الصَّلاةِ ، فَلَمْ يَصِحَّ ، كَمَا لَوْ ائْتَمَّ بِمَأْمُومٍ
.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : فِي الـنَّفْسِ مِنْهَا شَيْءٌ .
مَعَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ يُقَوِّيهِ .
وَهَذَا
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ؛
لأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي النَّفْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَحَدِيثِ
عَائِشَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ ، فَرَأَى
النَّاسُ شَخْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
وَالأَصْلُ
مُسَاوَاةُ الْفَرْضِ لِلـنَّفْلِ فِي الـنّـِيَّةِ ، وَقَوَّى ذَلِكَ
حَدِيثُ جَابِرٍ وَجُبَارَةَ فِي الْفَرْضِ ، وَلأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو
إلَى نَقْلِ النِّيَّةِ إلَى الإِمَامَةِ ، فَصَحَّ ، كَحَالَةِ
الاسْتِخْلافِ . اهـ .
وإذا
عَلِم الْمُنْفَرِد أن هناك من اقتدى به ، فلا حاجة لتنبيهه ، فقد اقتدى
الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، من غير تنبيه ، بل إذا صفّ إلى
جانبه عُلِم أنه يَقتَدِي به .
والله تعالى أعلم .